للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الموقف إلا بذلك، وقد أجاز هذا الشرع، قال تعالى: {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} [آل عمران: ٢٨)].

ومن ذلك شتم عمار - رضي الله عنه - رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لما عذبه المشركون، وككلام محمد بن مسلمة - رضي الله عنه - في النبي - صلى الله عليه وسلم - حين أراد قتل كعب بن الأشرف، وكلام الحجاج بن علاط في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تقيته كفار قريش، حين أراد أخذ ماله من مكة.

وأما من فعله وهو قادر على قول الحق، فلا تكون وقتئذ تقية، وإنما هي مداهنة محرمة.

ولا تجوز التقية لمن تعيّن عليه بيان الحق، وكان في التقية ضياع للحق ولو أدى ذلك بروحه، كما فعل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وكما فعل الإمام أحمد رحمه الله في فتنة خلق القرآن (١).

[طوائف الناس في هذا]

واعلم أن كثيراً من الناس يخلطون بين المداهنة والمداراة والتقية ومراتب الإنكار، في الفهم والعمل، والحكم على الناس.

فطائفة يظنون: أن كل تلطف، أو كلمة طيبة، أو خلق حسن مع المخطئ، أو السكوت المؤقت عن الخطأ، بغية إصلاح ما هو أعظم، أو انتظار فرصة أفضل، هو مداهنة.

وآخرون يعكسون، فتراهم يداهنون الظالمين، ويسايرون أصحاب المنكرات والبدع، فلا يأمرون بالمعروف، ولا ينهون عن المنكر، وينصرون بذلك الباطل، ويخذلون الحق، بدعوى المداراة، ابتغاء دنيا يصيبها، أو منصب يتطلع إليه، أو خوفاً على مصلحة تفوته، أو أذى -دون ذلك- يقع عليه، فأفسدوا بذلك دينهم، وضيعوا شرع ربهم.

{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة: (١٥٩)].


(١) والتقية هذه المشروعة، غير التقية التي هي ثلاثا دين بعض الطوائف وهي التي يفعلونها مع المسلمين .. في كتمان الحق الذي يزعمونه .. وإباحة الكذب معهم بإطلاق .. فهذه أقرب إلى النفاق منها إلى الحق، وليس هاهنا محل تفصيل.

<<  <   >  >>