أي: كان نبي من الأنبياء يَعْلم الأمور الغيبية -بإذن من الله- بالخط، وهو نوع من الضرب بالرمل، فمن فعله من الكهان، فوافقت خطوطُ الكاهن خطوطَ النبي ذاك، فقد أصاب وجاز له ذلك، أي جازت الكهانة.
ولما كان من المحال أن يصيب الكاهنُ خطوطَ النبي؛ لأنها وحي، كانت -إذن- الكهانة كذباً، وتدليساً، وحراماً. (١)
[حكاية قول الخصم دون نسبته إليه]
وأما نقل قول الخصم في أمر معين، أو حكاية لازم قولهم، دون نطق بأنه قول الخصم، فهو تعبير بليغ، وأسلوب في المناظرة مبين، وطريق لإقامة الحجة قوي، قال تعالى:{قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا} [سبأ:
(٢٥)].
فمتى أجرم الأنبياء حتى يقال مثل هذا؟ !
وتخريج هذا: أنه خرج مخرج حكاية قول الخصم، أي: أنتم تقولون: إننا مجرمون، فدعونا -إذن-وإجرامنا، فلن تحاسبوا عنه، وقد يتخرج -كذلك- مخرج إسقاط هب، وعلى هذا خرجت بعض أقوالي في مناظرات، أو محاضرات، منها:
((إن خالد بن الوليد وأبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنهما أغبياء)).
((إن أحمد بن حنبل وابن تيمية وابن عبد الوهاب رحمهم الله كانوا مبتدعة أو لا يفهمون الدين)).
((إن أحمد بن حنبل يكفر معظم هذه الأمة)).
ولكل قول مناسبة، وليس هاهنا تفصيل، فمنها في إحدى المناظرات.
(١) وقد خرج مني -في بعض المناظرات- مثلُ هذا الأسلوب، كقولي لبعض من يجاهد دون تحقيق الشروط: ((إذا كنتم تستطيعون مداواة مرضاكم فجاهدوا .. )) والمقصود إذا كنتم متمكنين في الأرض، أقوياء قد اتخذتم العدة كلها، فافعلوا، والأمر ليس كذلك، ومقتضاه لا تفعلوا .. وقد استعملت هذا الأسلوب، ظناً مني أن السائلين على درجة من الفهم، وما كنت أتوقع أن لا يفهم المراد .. فتعلق به من لا يعي، وأشاعه من المترصدين من لا يتقي .. وحمله على غير ما قصدت، وقذفوا بالاتهامات من مكان بعيد، فحسبي الله ونعم الوكيل.