[وجوب اتباع المحكم، وحرمة اتباع المتشابه من الأقوال]
كما أن لغة التخاطب، اقتضت وجود محكم في الكلام ومتشابه، والمحكم: البين الواضح الذي لا لبس فيه، أو بمعنى آخر: ما كان قطعي الدلالة، لا مجال للاختلاف في معناه.
والمتشابه: الذي يلتبس معناه، إذ يحتمل اللفظ أكثر من معنى، وبمعنى آخر: ليس بقطعي الدلالة، بل له وجوه واحتمالات (١).
ولما كان اتباع المتشابه من كلام الله تعالى مفسداً، وتفسيره دون المحكم تقوّلاً بغير علم ولا تثبت؛ لذا حرم الله اتباع المتشابه، وأمر بالعدول عنه إلى المحكم، قال الله تعالى:{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} [آل عمران: (٧)].
وفي هذه الآية دلالة صريحة على أن الذين يتبعون المتشابه ويفسرونه بمعزل عن المحكم، أنهم أصحاب زيغ، وأهل فساد.
[تحذير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الذين يتبعون المتشابه]
وقد حذرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هؤلاء الذين يتبعون المتشابه في القرآن، فقال: -بعد أن تلا الآية-: ((فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم)) [أخرجه البخاري (٤٥٤٧) ومسلم: (٢٦٦٥) عن عائشة رضي الله عنها] فعلينا أن نحذر منهم، ومن الذين يتتبعون المتشابه في السنة.
ويدخل في هذا اتباع المتشابه من أقوال العلماء والدعاة، والإعراض عن المحكم من أقوالهم، ومنهجهم، ومسلكهم، فوالله الذي أنزل هذه الآية المباركة، ما رأينا أحداً يتتبع المتشابه من الكتاب والسنة، أو أقوال أهل العلم وينشغل بها، إلا أفسد ثم فسد، إلا من رحم الله، ولقد رأيناهم بعد ذلك لا يهتمون بمحكم ولا بمتشابه، بل صار حالهم إلى ضلال وفساد، وعلى
(١) تنوعت أقوال العلماء في تعريف المحكم والمتشابه، وما ذكرته هو زبدة أقوالهم. راجع مجموع الفتاوى لابن تيمية (١٣ - ٢٧٢) وتفسير ابن كثير (آل عمران ٧) والإتقان للسيوطي (٣ - ٣).