من أبشع ما أصيبت به أمة الإسلام، أمة الدليل والبرهان، التعصب والتقليد الأعمى.
والتعصب: هو التمسك بالرأي أو نصرة الأعيان، في مقابل الحق، أو تقديمهم عليه.
وإذا كان التعصب يضل عن الحق، ويوقع في الظلم، فإن التقليد يعطل التفكير، ويبطل الدليل، ولقد كان للتعصب والتقليد الأعمى الدور الأكبر في الإعراض عن الحق والهدى، والوقوع في الباطل والظلم، ولهذا كان من أكثر ما عابه الله في كتابه الكريم التقليد، وترك اتباع الدليل، والإعراض عن الحق، قال تعالى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} [البقرة: (١٧٠)].
ولقد نجا الصحابة من ذلك، وكادت الأمة في قرونها الأولى تنجو منه، لولا قليل من التعصب النسبي، الذي جر على الأمة مصائب التفرق، وويلات الحروب التي سببت انشطارات في الأمة، وضعفاً أمام عدوها.
ثم ظهر فيها التعصب المذهبي في أبشع صوره، وأحلك أيامه، مما دفع بعضهم إلى مقاطعة بعض، بل إلى انقلابات إدارية بعضهم على بعض، عزل فيها العلماء عن مناصبهم، وصودرت أموالهم، وزج كثير منهم في السجون، ولا ذنب لهم إلا التمذهب.
ولولا ضيق الوقت، وسوء الأحداث، لنقلت من ذلك ما تقشعر منه الأبدان، مما فعله هؤلاء المتعصبة، ولكن الواجب أن تطوى تلك الأحداث ولا تروى، إلا على سبيل التحذير والاعتبار.
ثم ما إن خفت وطأة التعصب المذهبي، وكادت أن تخلع عن عاتقها ذلك الثوب الأسود، إلا وظهر علينا عصبيات جديدة، وأطل على صحوة أمتنا تعصب محدث، بثوب مرباد، كالسكاكين تقطع الأمة، فتقطعت -فعلاً- إلى جماعات وأحزاب، فتعصب الناس لها، وعاد التعصب للشيوخ وللزعماء، يطل برأسه حتى إنك لترى الرجل لا هم له إلا نصرة حزبه، وشيخه، وزعيمه، بكل وسيلة، وعلى كل فعل وقول.