الحكام أمنة الناس، والرعية عمادهم، وهم جميعاً أمة واحدة، بعضهم أولياء بعض، قال تعالى:
{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} والرعية والرعاة المؤمنون يدخلون في هذا، وهم يد على من سواهم، فإذا تحقق هذا التوازن، تحققت مصالح عظيمة، وتمت منافع كثيرة، إذ يسود الوئام، ويخيم الأمن، وتطمئن النفوس، وتتحاب القلوب، وحينئذ تتماسك الأمة في بنيانها، وتتمكن من أمرها في نفسها، وعلى أرضها، وتنتصر على عدوها.
ومن أعظم الأمور التي تحقق هذا التوازن، وما يترتب عليه من مصلحة للعباد، ومنفعة للبلاد، الارتباط القوي بين الراعي والرعية، والثقة المتبادلة بينهما، وتبادل الواجبات والحقوق، ومحورها: العدل من الراعي، والطاعة في المعروف من الرعية، ويتحقق هذا بالعمل بأحكام الإسلام، والتزام حدوده، من الطرفين.
وإذا اختل هذا التوازن، وقعت الفتن، وظهر الفساد، وضاعت الحقوق، وفُقد الأمن، وصار الناس في فوضى طاغية، وعاشوا في هرج ومرج، وبؤس مر بئيس.
واعلم -رحمني الله وإياك- أن هذا يحصل حين لا يلتزم الناس-حكاماً ومحكومين- شريعة الله وحدوده، فيشتد ظلم الحكام، ويفقد الناس الصبر.
ولذلك كان من المفاسد الكبرى، نشر سيئات الحكام المسلمين، وذنوبهم الخافية على الناس على الملأ، وتحريض كل طرف منهما على الآخر، فيثور الناس، وتقع الفتن، ثم تكون الحسرة والندامة، وما لبنان، والصومال، وأفغانستان، عنا ببعيد، حين فقد الحاكم المسلم. (١)
ولأن يُحكم الناس بمسلم مذنب ظالم، خير لهم من أن يبقوا دون حاكم.
ولذلك كان من منهج أهل السنة: نُصح الحكام سراً، إذا كان يترتب على النصح العلني مفسدة، وبيان الحق لهم دون ليّ ولا مداهنة.
والناس في الحاكم المسلم طرفان ووسط:
(١) كان قد كتب هذا حين الاقتتال بين الأفغان أنفسهم، والصوماليين، بعضهم ببعض.