[الاحتجاج بالعموم والأخذ بالمتشابه من أسباب الضلال]
ثم إن الاحتجاج بالعموم وتفسيره، دون الرجوع إلى ما يضبطه هو الذي أضل كثيراً من طوائف الإسلام، وكذلك الأخذ بالمتشابه وتتبعه هو من صفات أهل الزيغ، وطلاب الفتنة، وقد بينت الآية أن تأويل المتشابه بغير محكم من الفتن، قال تعالى:{فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} والمتشابه -كما أسلفنا- هو الذي يحتمل أكثر من معنى.
[كيف يفسر المتشابه؟ وكيف يحكم على قائله؟]
ولذلك أجمع العقلاء من الأمم على اختلاف أديانهم ومشاربهم، على تحريم تفسير المتشابه، أو تقييد المطلق، أو تخصيص العام، بفهم القارئ أو السامع، بل عليه أن يرجع إلى المتكلم نفسه إن أمكنه ذلك، فإن لم يمكن، رجع إلى تفصيله وتفسيره، وتقييده في كلام آخر، فإن لم يجد، رجع إلى أصوله البينة، ومذهبه الواضح، وأوّل له -إن كان من أهل الحق- ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، فإن لم يجد توقف، والتوقف أبرأ للذمة، وأسلم من الخوض في الظنون، فإن التقول على المرء ما لم يقل ظلم، والظلم ظلمات يوم القيامة، قال ابن القيم [(مدارج ٣ - ٥٢١)] "والكلمة الواحدة يقولها اثنان، يريد بها أحدهما: أعظم الباطل، ويريد بها الآخر: محض الحق، والاعتبار بطريقة القائل وسيرته ومذهبه، وما يدعو إليه، ويناظر عليه" وبناء عليه: يحرم حمل كلام متشابه لأحد على معنى معين إلا بمحكم، أو قرينة قاطعة، خوفاً من التقول على القائل ما لم يقله، قال شيخ الإسلام:"وما تنازع فيه المتأخرون، نفياً وإثباتاً، فليس على أحد بل ولا له أن يوافق أحداً على إثبات لفظ أو نفيه، حتى يعرف مراده، فإن أراد حقاً قُبل، وإن أراد باطلاً رُدّ، وإن اشتمل كلامه على حق وباطل لم يُقبل مطلقاً، ولم يُرد جميع معناه، بل يُوقف اللفظ، ويُفسّر المعنى" [التدمرية ص (٦٥ - ٦٦)].
قال العلائي:"لأن المتلفظ باللفظ المشترك، لا يحكم عليه بإرادة معنى معين منه، ما لم تقم قرينة دالة على مراده" [تلقيح الفهوم: (١٧٦)] فبهذا يتبين لك أن من أطلق عموماً، أو