للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تكلم بمجمل، لا يحكم عليه حتى يستفصل من صاحبه، ولا يجوز للمرء أن يتجرأ في تخصيص عموم لمسلم، أو تفسير متشابهه له بما يرى، دون رجوع لمحكمه أو تفصيله، إن الذين يفعلون هذا إنما يخلقون إفكاً، ويفترون كذباً، ويحدثون فتناً، وقد فسر الزجاج الفتنة في الآية (١) بذلك، وقال مجاهد: "ابتغاء الشبهات واللبس ليضلوا بها جهالهم" (٢).

قال القرطبي: "قال شيخنا أبو العباس رحمة الله عليه: متبعوا المتشابه لا يخلو أن يتبعوه ويجمعوه طلباً للتشكيك في القرآن وإضلال العوام" [(٤ - ١٤)].

قلت: صدقوا والله، فإنما ينساق وراء هؤلاء الجهال والعوام الذين يصدقونهم حين يفسرون لهم متشابه القرآن أو السنة أو أقوال أهل العلم، وهم جهلة طغام عوام، لا يفرقون بين محكم ومتشابه، فيظنون أن تفسير المفسر للمتشابه، هو من مقصود صاحب القول لا من فهمهم وتفسيرهم، فيفسدون بذلك ذات البين، ويشعلون الفتن، ويفرقون الصف.

وعلى هذا فليس العيب في وجود العموم في كلام المرء، ولكن العيب في تبييت الترصد، وتتبع الزلات، وقطع الكلام من سياقه وسباقه، والأخذ بالمتشابه من القول، والإعراض عن المحكم، والدخول في النيات، وواحدة من هذه ظلم، فكيف اجتمعت؟ فهي ظلمات بعضها فوق بعض.

ولو ذهب المرء مذهبهم لضل، ذلك لو أننا -على سبيل المثال- قطعنا قوله تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} [التكوير: (١٩)]. لكان معناها أن القرآن كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإن أخذنا بما بعدها فحسب: {ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ} [التكوير: (٢٠)]. فهمنا: أن القرآن كلام جبريل، وأما من يأخذ بأول الكلام وآخره وتفصيله، فسيعلم أن المقصود: أن الذي ينقل القرآن هو جبريل عليه السلام، وليس جنياً أو شيطاناً.


(١) زاد المسير (١ - ٣٥٠).
(٢) معالم التنزيل (٢ - ٥٩٦).

<<  <   >  >>