للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة: (٥٦)]. ولو أدرك معنى ذلك لما احتج به، فإن الآية توجب أن يكون المسلمون حزباً واحداً، غير متفرقي الصف، ولا متقطعي الأوصال، والحزبية تخالف أصل الدين في هذا، وتجعل المسلمين متفرقين، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، تخالف دلالة الآية وسياقها: فإن الآية توجب الولاء لله ولرسوله ولكل المؤمنين، أما الحزبية: فتفرق في الولاء بين الحزبيين، وبين غيرهم من المسلمين، فتعطي الحزبيين ولاءً خاصاً، ولو كانوا جهالاً أو غير أتقياء، وتحرم هذا الولاء الخاص غير الحزبيين، ولو كانوا علماء أو أتقياء، فلا تكن من الغافلين.

[صور للحزبية]

وللحزبية صور كثيرة، فقد تكون حزبية بلدان، أو سياسة، أو قبيلة، أو باسم جمعية، أو عصبية لشيخ، أو لمسألة مختلف عليها بين أهل العلم، أو ... ، أو ... ، فترى بعضهم يتحزبون لسياسة، أو لجمعية، أو لشيخ، أو لمسألة دون مراعاة لوحدة المسلمين ولا لأخوّتهم، فيا ويل من يخالفهم، ويا ويل من يخطئ حزبهم، أو شيخهم.

وكثير من أولئك الذين يرفعون شعار محاربة الحزبية الجماعية، يسقطون في الحزبية الفردية دون أن يشعروا، ومفاسدها أكبر ضرراً، وعاقبتها أشد مرارة، فإن في الحزبية الجماعة على ما فيها شيء من النظام، والحزبية الفردية لا نظام، ولا شورى، يعادي ويوالي في شيخه، ويهجر ويواصل في محبوبه.

وأما ما يسمى بالتعددية الحزبية أو السياسية، فهو مذهب أشد بطلاناً، وأعظم خطراً، بخاصة في ظل الدولة الإسلامية، فهو يهدم الأمة الإسلامية، ويسقط سياسات شرعية واجبة، كالخلافة والبيعة والشورى، وما إلى ذلك، ودعاتها بين مجتهد مخطئ، أو متحمس متعجل، أو مغرور جاهل، أو خبيث حاقد (١).


(١) واعلم- يا عبد الله - أني ما كنت حزبياً يوماً ما من دهري .. وقد رأيت من مفاسد الحزبية، وأذية الحزبيين، ما لم يره كثير من الناس، فالحمد لله الذي نجاني منها وأنا شاب متحمس، قليل العلم، ضيق التفكير، فهل أقع فيها وأنا كبير السن، كثير التجربة، فجزى الله عنا شيخنا الألباني خير الجزاء، إذ حذرنا منها .. ، ولقد كنت من أوائل من ألقى محاضرة مفصلة مقعدة على منابر دولية، في تحريم الحزبية، فاللهم لك الحمد كما ينبغي لفضلك وإحسانك، وهدى الله الكاذبين المفترين على البرآء وإلا كبتهم.

<<  <   >  >>