للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وربما يتساءل المرء كيف يحرم الإسلام التعاقد على الخير؟ !

قلت: سر هذا في المقطع الثاني من الحديث ((وأيما حلف في الجاهلية، لم يزده الإسلام إلا شدة)) أي: أن أي حلف كان في الجاهلية على خير، فقد جاء الإسلام بذاك الخير وأفضل منه، ولما كان المسلمون كلهم أعضاء في حلف -حزب- الإسلام، كان لا حاجة البتة إلى الدعوة إلى أحلاف في الإسلام جانبية، أو جيوب خفية، تقطع أوصاله، وتمزق كيانه، وتُزكي بذلك الضغائن، لا حاجة إلى ذلك إذ أصبح المؤمنون بالإسلام كلهم أمة واحدة، في حزب واحد، في عقد واحد، في شروط على الخير واحدة، تلزم الجميع، فمن دعا إلى الأحلاف -بعد هذا- ولو كانت لخير، فقد فرق -إذاً- أمة الإسلام، وجعل بعضها دون بعض، والله - عز وجل - يقول: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ * فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون: (٥٢ - ٥٣)].

ولما لم يدرك بعض الدعاة هذا المعنى العظيم، من تحريم التحالف والتحزب في دين الله -ولو على شروط ظاهرها الخير- لما لم يدرك ذلك، أبعد النجعة في شرحه لحديث: ((لا حلف في الإسلام)) فقال: "أي: لا حلف على معصية" وقال: "من غير المعقول أن يحرم الإسلام التحالف على خير" ولو أدرك تمام الحديث، لما قال ما قال، ولعلم فساد المعنى الذي ذهب إليه: فإن لازم شرحه حسب تمام الحديث، أي: لا حلف على معصية، وأيما حلف في الجاهلية، كان على معصية، لم يزده الإسلام إلا شدة، أي: أن الإسلام يؤيد التحالف على المعصية، بل يزيدها قوة وشدة، فهل يقول هذا عاقل؟ وبهذا يتضح أن المحرم، هو ما تحزب عليه بعض المسلمين دون بعض، أو تحالفوا عليه لأي سبب كان.

كما أبعد النجعة من احتج على إباحة التحزب بأدلة التجمع المشروع، أو التعاون المطلوب، وسيأتي تفصيل ذلك.

وكذلك أخطأ من احتج على جواز التحزب بأدلة وجوب تحزب المسلمين جميعاً في مواجهة الكفر والكافرين، كقوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ

<<  <   >  >>