وقد وقع كثير من المسلمين في هذا، وأحجموا عن الأمر بالمعروف لأدنى أذية، واعتذروا لأقل مفسدة، ضعفاً في الإيمان، وجهلاً في الدين، ومنهم من سكت خوفاً وجبناً، وتحقيقاً لمصلحة دنيوية وطمعاً في منزلة فانية، غافلين عن المسئولية بين يدي الله، وعن المفاسد المهلكة التي تحصل بالسكوت.
وفي الوقت الذي فرط فيه هؤلاء، أفرط آخرون، فأمروا ونهوا بغير ضوابط علمية، ولا مراعاة للمصالح والمفاسد المترتبة، غافلين عن الأحكام الشرعية، والسنن الكونية، فحصل بذلك ردود فعل عظيمة، من المُنْكِرين أنفسهم، ومن المنَكَر عليهم.
ولذلك فإنهم لما وجهوا أو فشلوا، فترت همهم، وعزل بعضُهم أنفسهم، ولربما ارتكس آخرون، وأما المنْكَرُ عليهم، فاستغلوا فتور المصلحين، فتمادوا في غيهم، واستعلوا في أنفسهم، فازداد المنكر وفشى، وانتشر الفساد وطغى، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي الأعلى.
والحق والوسط: يوجب على المسلم إنكار المنكر، وذلك حين الاستطاعة، وتحقق الشروط الأخرى، من غير إفراط ولا تفريط.
[شروط الإنكار وواجباته]
- أن يكون المُنْكِر عالماً بحكم المنكر، وأن يحذر أن ينكر في الخلاف المعتبر.
- أن يتحلى بالحلم حين البيان والإنكار، لما يصيبه من المنكَر عليه من أذية أو استكبار.
- أن يتسلح بالصبر لما سيصيبه من أذى بعده.
- أن يوازن بين المصالح والمفاسد، ولها أربع مراتب:
الأولى: أن يترتب على الإنكار مفسدة أكبر، وفي هذه الحال يمنع الإنكار، كأن ينهى المسلم عن منكر قد يؤدي إلى قتله، أو ينتقل صاحب المنكر إلى منكر أكبر، فقد أراد أحد المشايخ الإنكار على التتار شربهم الخمر، فنهاه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله معللاً ذلك: بأنهم إن صحوا من سكرهم، دخلوا البلاد فأفسدوها.