إن من علامة ديانة الرجل وإنصافه، أن يتجنب الحكم على الأعيان، ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وأن يحكم على الأقوال؛ لأنها الأصل، وبها تحصل الثمرة.
فالله أعلم بحقيقة حال الرجال، وما ماتوا عليه، وما حُكْمُ الله فيهم.
كما أننا غير مسئولين عن حكم الأعيان عند الله، ثم لو أردنا أن نبحث في كل عين، وعلى ما مات عليه، لضاعت أوقاتنا، وأهدرت طاقاتنا، دون ثمرة تُقطف، ولا فائدة تُذكر.
ولذلك كان من حسن دين الرجل: أن يخطّئ ما كان خطأ، ويقبل ما كان صواباً، من سيد وممن هو فوق سيد، ونكل العين إلى الله تعالى، ونرجو له المغفرة.
وإذا اتُّفق على الفحوى والمضمون، وأن الخطأ خطأ، والصواب صواب، فلا يجوز -بعد ذلك- أن تكون عينه ولا عين غيره محلاً للولاء والبراءة، والشقاق، والتحزب، والاتهامات، وامتحان الناس، وفتنتهم فيه، مما لا ثمرة فيه إلا نزاع مفرق، وشقاق مفسد، وفتنة مشغلة.
وقد أخطأ سيد أخطاءً كبيرة، ووقع في زلات كثيرة، منها ما تراجع عنه، ومنها ما الله أعلم بحاله فيها.
وعلينا أن نقول عن الخطأ خطأ وعن الضلال ضلال، والله أعلم بما ختم له، ورب موقف منه، يغفر الله له، فإن له حسنات ومواقف في وجه الطاغوت، راجع مشكوراً باب فقه الموازنات من هذا الكتاب، وكلام الإمامين ابن تيمية، وابن القيم رحمهما الله فيه، ومن ذلك قوله ابن تيمية في أهل البدع:"ما من هؤلاء إلا وله في الإسلام سعياً مشكوراً، وحسنات مبرورة، ولا ريب أن من اجتهد في طلب الحق، وأخطأ، فالله يغفر له".
وقول ابن القيم في معرض الحكم على أهل التصوف:"والطائفة التالية: وهم أهل العدل والإنصاف -الذين أعطوا كل ذي حق حقه- قبلوا ما يقبل، وردوا ما يرد".