من حكمة الداعية أن يكون خطابه للناس متجدداً، وأسلوبه متنوعاً، وليس من الحكمة أن يكون بيانه على وتيرة واحدة، وأسلوبه جامداً ذا طابع واحد، فإن ذلك يدفع إلى السآمة والملل.
بل عليه أن ينوع الأسلوب، وأن يجدد العبارات، لما في ذلك من جذب الانتباه، لدفع الملل، وإفهام الناس، وهذا ما كان من سيرته - صلى الله عليه وسلم - وحكمته في أسلوبه وعباراته.
فمن أسلوبه المتجدد، سؤاله أصحابه عن مَثَلِ المؤمن، وتحيرهم في ذلك، ومن ذلك: سؤالهم: من أصبح منكم اليوم صائماً؟ من اتبع جنازة؟ من ... ؟ حتى قال - صلى الله عليه وسلم -: ((ما اجتمع هذه الخصال في رجل في يوم إلا دخل الجنة)) [البخاري أدب (٥١٥) واللفظ له، مسلم (١٠٢٨)].
وهذا الأسلوب أفضل من أن يستمر الداعية في إلقاء المعلومات إلقاءً بعيداً عن أسلوب المشاركة، التي تدفع السامع إلى شحذ الذهن، والانتباه للقول.
ومن أساليبه - صلى الله عليه وسلم - الرائعة: عرضه الجدي الأسك الميت على أصحابه على طريقة البيع بالمزاد، قائلاً:((أتحبون أن يكون لكم هذا بدرهم؟ ! )) فتعجب الصحابة من ذلك، كيف يعرض النبي - صلى الله عليه وسلم - للبيع جدياً ميتاً وبدرهم! فقالوا ما نحب أنه لنا بشيء، وهم ما يزالون متعجبين مما يفعل، ويقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: ((فوالله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم)) [أخرجه مسلم (٢٩٥٧)].
ومن أسلوبه - صلى الله عليه وسلم - المتجدد، إتيانه بألفاظ لها معان معروفة عندهم، ثم مفاجأتهم بمعان جديدة، تهمهم في دينهم، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((أتدرون من المفلس)) فأجابوا بما يعرفون في عرفهم ((المفلس فينا من لا درهم له ولا دينار)) فقال -مقراً ما ذهبوا إليه غير مخطئهم- ولكنه أتى بمعنى آخر معنوي شرعي، أهم من المعنى الدنيوي المادي، أجابهم بالمعنى الحقيقي للإفلاس، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((المفلس من أمتي ... )) الحديث.