كما أن للإسلام أركاناً معروفة، فله كذلك أسس ثابتة، يتمحور حولها، ويبني بنيانه عليها، حتى يستقيم طريقه، وتتحقق غاياته، وإذا فقد أحدها اختل توازنه، وانحرف سير أصحابه، وفقدوا غاياته، بل سقطوا في السبل، وضلوا عن الطريق المستقيم، قال تعالى:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: (١٥٣)].
وأسس الإسلام ثلاثة:
الأول: العلم.
وهو أول الطريق ونوره، ومن بدأ بالعلم استنارت بصيرته، وكشفت له الحقائق.
ومن توفيق الله للعبد أن يبدأ هدايته بالعلم، فهو سلاحه في ميدان الصراعات، ودرعه في ساحة الضلالات، ونوره في كشف الشبهات، ووقايته من فتن الشهوات {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر (٢٨)].
فبالعلم يعرف الخير من الشر، والتوحيد من الشرك، والاتباع من الابتداع، وبالعلم يفرق بين الطاعة والمعصية، وبين الدليل والتزين، وبين الضلال والهدى، والحق والهوى.
وحينئذ يسدد ولا ينحرف، يبصر ولا يعمى، ويحفظ نفسه ولا ينزلق في متاهات الضلال، من السبل المنحرفة، والطرق المبتدعة {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} [يوسف: (١٠٨)]. فالبصيرة -وهي العلم- قبل الدعوة والعمل، ولهذا بوب الإمام البخاري في صحيحه (باب العلم قبل القول والعمل) ومن سلك سبيل العمل والتعبد والدعوة قبل العلم عاش في ظلام الجهالة، وسقط في مهاوي التزيين، وهو يظن أنه يحسن صنعاً، قال تعالى:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: (١٩)].
ومن سلك سبيل الإسلام بالعواطف والغيرة، والتزيين والظنون، ولم يضبطها بالعلم، فقد ضل السبيل، وخسر الدنيا والآخرة.