للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- فقدان الناس الثقة بالعلماء، حتى يصبحوا في حيرة من أمرهم وقلق وفساد في دينهم، وإذا فقدت الثقة، فمن يصدقون؟ ومن يسألون؟ وهذه المفسدة من أعظم المفاسد، وقد أدى هذا الأمر بكثير من الناشئة إلى ترك طلب العلم انشغالاً بذلك، أو فتوراً، إذ يقول له الشيطان: إذا كان العلماء كذلك، فكيف يُطلب العلم عندهم، أو يقول له: هذا ثمرة العلم فأعرض عنه.

فمنهم من عن العلم انتكس، بل منهم من عن التقوى أو الدين ارتكس -والعياذ بالله- إذ يقول له الشيطان: "إذا كان العلماء والدعاة يطعن بعضهم في بعض، فأي دين هذا؟ وأي تقوى هذه؟ " فيدفعه هذا إلى الانحراف والفساد، ولقد رأينا من هذا أمثلة كثيرة، وأعلم أناساً كانوا من أوائل من أشعل هذه الفتنة، فتنة كلام الأقران، وتتبع الزلات، وإلزام الإلزامات، وكانوا لا يغشون مجلساً إلا أشعلوا فيه الفتنة، وهم الآن قد افتتنوا في دينهم وانتكسوا، وبعضهم يعيش وحيداً منفرداً، قد أصابته الأمراض، وقال لي أحد الثقات: أنه يتقيأ دماً، لقد سمَّه لحوم العلماء والدعاة، وبعضهم انحرف في الشهوات، في أوكار ديار الكفر، فالله نسأل لنا ولهم العافية.

ولما رأى أبو العتاهية الشاعر ذلك منهم، أنشد قائلاً:

بكى شجوه الإسلام من علمائه ... فَما اكترثوا لمّا رأوا من بكائه

فأكثرهم مستقبحٌ لصوابِ مَنْ ... يخالفُهُ مستحسنٌ لأخطائه

فأيهُمُ المرجوُّ فينا لدينهِ ... وأيهُمُ الموثوقُ فينا برِأْيه

وقال أبو حازم: -وهو من أجلِّ علماء السلف- لما رأى ما يجري بين بعض العلماء من التغاير والتحاسد، قال: "فهلك الناس".

قواعد الإنصاف في هذا الباب:

<<  <   >  >>