لقد خلط كثير من الناشئة في هذا الباب وخبط، وتحزَّب لذلك وفرَّق.
قال ابن عبد البر (١٠٩٣): "قد غلط فيه كثير من الناس، وضلت فيه نابتة جاهلة لا تدري ما عليها في ذلك".
قلت: كأن ابن عبد البر رحمه الله يعيش في زماننا، وما أكثر النوابت في كل زمان.
[القاعدة الأولى]
"لا يقبل -أي الجرح- فيمن صحت عدالته، وعُلمت بالعلم عنايته، وسَلِمَ من الكبائر، ولَزِمَ المروءة والتعاون، وكان خيرهُ غالباً، وشرهُ أقل عمله، فهذا لا يُقبل فيه قول قائل لا برهانَ له به، وهذا هو الحق الذي لا يصح غيره إن شاء الله".
ولما كذَّب مالك: عبد الله بن زياد ووثَّقه غيره، قال ابن وهب:"لا يقبل قول بعضهم في بعض" قالهما ابن عبد البر في جامعه (١٠٩٣)، (١١٠٦).
وبتعبير آخر: إذا صحت أصول الرجل، واستقام منهجه، ولم يتبين منه ضلال ولا فسق، فلا يقبل قول بتضليله، إلا بدليل كالشمس وضوحاً، وكالجبال ثبوتاً، أما مخالفته في مسائل -مهما كانت- لأقرانه، أو لمن هم فوقه مع صحة تأصيله، واستقامة استدلاله، فلا يلتفت إليها أبداً، مادامت في إطار الاجتهاد المشروع، فقد مضى خلاف أهل السنة والجماعة في قضايا في العقيدة ومسائل في الأصول والفروع، وما أكثرها.
وإذا مضى الأمر باجتهاد من أهله، فلا يُعاب على قائله، ومن عاب في ذلك فقد خاب، ومن ضلل فقد ضلَّ، ومن بيَّن وعذر فقد سلم، ومن خطّأ ونصح فقد برئ.
وإذا رُدَّ قول مالك، والشافعي، وابن إسحاق، وأبو حنيفة، وابن المبارك، وقتادة، وابن أبي ذئب، وعِكْرِمَة، وسعيد بن المسيَّب، وغيرهم كثير، إذا رُدَّ قول هؤلاء في أقرانهم، -وهم من أعظم أئمة الهدى- أفلا يُردُّ قول من هو دونهم! أفلا يرد قول مجهولين فيمن عُرفت عقيدته، وبان منهجه، واستقام أمره، ولكن كثر حساده، اللهم هداك.