للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الحكمة والرفق والعقوبة والقضاء]

لا تعارض بين الحكمة والرفق، من جهة وبين العقوبة والقضاء من جهة أخرى، فلكل مقامه، ولكل غايته.

فالحكمة والرفق واللين أمور مطلوبة في كل حين في الدعوة والمعاملة، ومع القريب والبعيد، والصالح والطالح، والصديق والعدو، ومع كل مدعو.

قال تعالى: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [سورة طه: ٤٤].

والتلطف مع أهل البدع حين دعوتهم، لبيان ضلالهم لهدايتهم، ليس من المداهنة في شيء.

قال - صلى الله عليه وسلم -: ((ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه)) وكلمة شيء هاهنا عامة في كل شيء، وبخاصة في حال الدعوة والبيان، ولهذا أمر الله موسى عليه الصلاة والسلام باللين مع أكفر أهل زمانه فرعون، وأمر عائشة بالرفق مع اليهود في الإجابة، فهل يكون التلطف مع أهل البدع من المسلمين لهدايتهم مداهنة وضلالاً‍‍! اللهم رحماك ممن جفت ألسنتهم، وغلظت أكبادهم، وفقدوا الحكمة في دعوتهم.

وأما العقوبة من هجر وفضح، والحكم عليهم والقضاء، والجهاد فهذا يكون في حال القدرة على ذلك، وفي حال قوة أهل الحق وسلطانهم، وذلك بعد ظهور عناد المخالفين واستكبارهم، واستحقاقهم العقوبة، وبشرط أن يكون في ذلك مصلحة، ولا تترتب عليه مفسدة، وهذا يكون لولي الأمر، وأهل العلم الراسخين، ولا يكون ذلك للناشئة المهتدين، وطلاب العلم المبتدئين، ولقد أشكل على بعضهم الجمع بين الأمرين، فلم يفرق بين الحكمة والرفق في الدعوة، وبين الفضح والعقوبة والقضاء والجهاد، في حال الردع، ولكل مقامه.

ولأجل هذا لم يفرق بين حال دعوة أهل البدع، وحال عقوبتهم، وبين حال قوة شوكتهم، وضعف أهل السنة، وحال ضعفهم وقوة شوكة أهل السنة.

<<  <   >  >>