فدل هذا: على أنه أوتي رشده وهو فتى، ولذلك قال معظم العلماء: كان إبراهيم مناظراً في هذا لا ناظراً.
فإذا جاز أن يقال للكوكب:(هذا ربي) وظاهر هذا كفر، أفلا يجوز اتباع مثل هذا الأسلوب، والنطق بما هو دون الكفر، كقولي:"السلفية بدعة" وما أردت بذلك أن السلفية بدعة - معاذ الله من ذلك - كما لم يُرد إبراهيم عليه السلام، أن القمر والشمس ربه، وإنما كان مقصودي: هب أن السلفية بدعة، فهل أحزابهم المحدثة سنة، وإذا كان اتباع السلف بدعة! فهل اتباع أحزابكم وأهوائكم سنة؟ (١)
[تعليق الأمر بالمحال]
من أساليب الخطاب البديعة: أسلوب الأمر الذي يفيد النهي، وهو أن يخرج التحذير والنهي مخرج الأمر، كقوله تعالى:{اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} فليس معنى الآية: أن يفعل المرء ما يشاء، بل هذا تهديد له إن فعل ما يشاء.
ومن الأساليب العربية البديعة في الخطاب، والجدال، تعليق الأمر بالمحال، لإحراج الخصم، وإظهار عوار قوله، وبطلان مسلكه.
فهذا قد خرج مخرج التعليق بالمحال، بل فيه زيادة علم، وهي جواز اتباع مثل هذا الأسلوب أحياناً، إن لم يكن واجباً؛ لقوله تعالى:{قُلْ} وهذا أمر.
وقال - صلى الله عليه وسلم - لمعاوية بن الحكم: لما سأله عن حكم الذين يدّعون معرفة الغيب عن طريق الخط في الأرض، قال:((إنه كان نبي من الأنبياء يخط، فمن وافق خطه فذاك)) [رواه مسلم: (٥٣٧) عن معاوية بن الحكم السلمي].
(١) وإذا جاز هذا الأسلوب شرعاً ولغة، فهل يجوز للحاقدين، والمترصدين أن يشنعوا ويطلبوا كعادتهم، أليس الأجدر بالتقي أن يناصح بدل أن يفاضح، والمتصف أن يواصي قبل بدل أن يجافي .. ثم لو أردنا أن نحاسبهم على مذهبهم لكفروا، لأنهم يشنعون على كلام الله، وأسلوب الأنبياء، وهم لا يشعرون.