من غايات الفتن الكشف عن صدق الإيمان، ومعادن الرجال، وحقيقة الأخلاق، وما سميت الفتنة فتنة إلا لأنها تختبر الأصيل من الدخيل، وتُظهر الصادق من المداهن، وتميز الغث من السمين، وتفرق بين المخلص وصاحب المصالح.
ومن أهم غايات الفتن أن تختبر المتبع الوقاف عند حدود الله في قول أو فعل، من أصحاب العاطفة والتقليد، وأتباع التعصب والهوى.
قال تعالى:{وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء: (٣٥)].
وذلك كله ليعلم الله الصادق من الكاذب، وأينا أحسن عملاً، قال تعالى:{الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: (١ - ٣)].
ولقد أدت هذه الفتن التي يمر بها المسلمون بعامة، والشباب بخاصة بعض أغراضها، فكشفت عن حقائق مذهلة، ووقائع مؤسفة، إن دلت على شيء، فإنما تدل على أننا مازلنا بحاجة إلى مزيد من التربية، ومزيد من العلم والتأصيل، ومزيد من الأخلاق والتقوى، لقد كشفت هذه الفتن عن الحقيقة التي طالما نادى بها شيخنا الألباني حفظه الله، عن حقيقة حاجتنا للتربية، لقد صدق -والله- إذ كان يكرر:"لقد سعينا في التصفية، وقصرنا في التربية" طابت كلمةً أطلقها، وقاعدة أصلها، طيب الله أثره، ورفع ذكره.
ولقد أدرك الآن -وبعد تجارب كثيرة، وفتن متنوعة- كثير من الناس هذه الحقيقة، واعترفوا أنهم كانوا لها مهملين، وأنها وراء كثير من النكسات من سوء الأخلاق، وفشل العمل.
ولقد كنا نظن أن أصحاب المنهج المستقيم، قد تجاوزوا كثيراً من الأخطاء في دعوتهم، وتخطوا معظم السلبيات في تصرفاتهم، وأن الفتنة إذا ما جاءتهم، كانوا أحسن عملاً، وأصدق قيلاً، فإذا بهذه الفتن تكشف الغطاء عن حقيقة كثير منا، وأنهم تغيروا في الظاهر لا في الباطن، وأننا ما زلنا بعيدين عن التأصيل واتباع الدليل، قريبين من العاطفة والتقليد، فاقدين