العلماء العاملون، والدعاة المخلصون: هم ورثة الأنبياء، ونخبة النجباء، وهم مصابيح الدجى، ومنارات الهدى، لبيان الحق، وهداية الخلق، وهم لسان الأمة، وعمودها الفقري، فبهم يهتدي الناس في الظُّلم، وبهم يثبت العباد في المحن، وينجون من الفتن، وهلاكهم هلاك للأمة، وفقدانهم ضلال في الملة، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبْق عالماً، اتخذ الناس رؤوساء جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا)) [رواه البخاري (١٠٠) عن عبد الله بن عمرو].
والخروج على العلماء، لا يقل شراً عن الخروج على الحكام المسلمين، فالخروج على العلماء أصل، والخروج على الحكام فرعه، وما خرج الخوارج على الحكام في كل عصر إلا بعد خروجهم على العلماء.
وللعلماء الربانيين حق الطاعة، فهم من أولي الأمر، وأصحاب البصيرة، وهم من المعنيين في قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: (٥٩)]. ومذهب السلف: أن الآية عامة تشمل الحكام الصالحين، والعلماء العاملين، قال ابن عباس تفسيراً لقوله تعالى:{وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}"يعني: أهل الفقه والدين" قال ابن كثير: "والظاهر -والله أعلم- أنها عامة في كل أولي الأمر من الأمراء والعلماء".
ومن أعظم المفاسد: الطعن بهم، ونشر سيئاتهم، وذلك مئذنة ضلال الطاعن، وعلامة زيغه؛ لما يترتب على ذلك من مفسدة الوقيعة بين الناس والعلماء، وانقطاع الصلة بينهم، فلا يكون وقتئذ للعلماء على الناس طاعة، ولا يكون عند الناس للعلماء احترام، وحينئذ يكون عالم المرء هواه، ومفتيه رأيه ومصلحته، فتقع عندئذ الفتن، ويخوض الناس في الفساد.