إنكار المنكر من أعظم الواجبات، وهو للمجتمع الإسلامي من أكبر الواقيات، من الفتن والمفسدات، وما ظهر هذا الفساد العريض في المجتمعات، فاستبيحت المحرمات، وكشفت العورات، وذهبت المروءات، حتى ليرى المسلم أخته أو بنته يُختلى بها، ويدنس عرضه، ولا يتحرك له ضمير، ولا تثور به مروءة، ويباع الخمر جهاراً نهاراً، وتفتح دور زنى لأول مرة في تاريخ المسلمين، ويدخلها العلج الكافر ليزني بمسلمة، والمسلمون كمن لا سمع ولا رأى، يغدون ويروحون أمامها، فلا يأمرون بمعروف ولا ينكرون منكراً، بل لا تتمعر وجوه كثير من المسلمين إلا قلة قليلة منهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فانتشرت الفواحش، وتسلط الأعداء.
كل ذلك كان عاقبة ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووالله إن المسلم الراشد ليخشى أن تخسف الأرض بالجميع حين يرى ذلك، مصداقاً لقوله تعالى:{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: (٢٥)].
وما هذا الذل والعذاب والهوان الذي نزل بالمسلمين إلا من جراء ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفعل الذنوب، وترك الواجبات، مصداقاً لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((والذي نفسي بيده، لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عذاباً من عنده، ثم لتدعونه فلا يستجاب لكم)) [أحمد ٢٣٣٤٩ الترمذي (٢١٧٠) وحسنه هو والألباني]. ولو أن المسلمين قاموا قومة رجل واحد في إنكار المنكر أول ظهوره، لما تفشى وظهر، ولو أن المسلمين قاموا قومة رجل واحد في وجه الاستعمار وأعداء الله، لما وقع هذا الفساد في البلاد، والانحراف في العباد، ولما كان ما كان، ولكن ليقضي الله أمراً كان مفعولاً.
ولذلك حلت اللعنة على من لم يأمر بالمعروف، ولم ينه عن المنكر:{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة: (٧٨ - ٧٩)].