المثال الثالث: من إلزاماتهم التي تدل على مستوى هؤلاء العلمي والعقلي والديني.
قلت في كتاب [صفات الطائفة المنصورة (٨١)] "ومن البناء أي -بناء الأمة-: أن نفهم قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخِرَ منهما ... )) الحديث، ولذلك أدركت الجماعة الأولى هذا المفهوم، وسعوا إلى وحدة الصف، واجتماع الكلمة، قبل نزال العدو، فقاتل علي - رضي الله عنه - الخوارج، وقتلهم قبل اليهود والنصارى، ولا يعني هذا دعوة المسلمين إلى الاقتتال، لأن هذا إنما يكون عندما يكون للمسلمين خليفة شرعي ثم يخرج عليه خارج".
ثم إني لما ذكرت قتال علي - رضي الله عنه - للخوارج، خشيت أن يُفهم منه: أني أدعو إلى اقتتال المسلمين بعضهم ببعض، فبينت: أن قتال الطائفة الباغية كالخوارج، لا يكون إلا عند وجود الخليفة الذي يأمر بذلك، وهو منهج أهل السنة والجماعة.
فانظر إلى هذا الكلام المتين، في بناء الصف قبل لقاء العدو، ودفع الفتن عنهم، والمؤصل على منهج أهل السنة والجماعة وانظر ما.
فعمد المترصد إلى هذا الكلام المتين، وحرَّفه متعمداً، وياليته ألزم إلزامات لا تلزم فحسب، ولكنه حمله على أسوأ ما يُحمل، وقال محرشاً:(ومنطوق عدنان أن الآن ليس للمسلمين حاكم شرعي، ومنه يأخذون أن قيام الثورات على الحكام المسلمين العاصين لا يسمى خروجاً).
والمنطوق يعني: أن اللفظ صريح في ذلك ليس فيه تلميح، والناظر في النص لا يرى ما قاله الأخ لا في منطوق ولا مفهوم.
والظاهر أن هذا المسكين، لا يفرق بين المفهوم والمنطوق، ولو أنه قال: مفهوم هذا الكلام لكان مقبولاً عند أمثاله المحرشين الذين دأبوا على أذية المؤمنين، أما أن يقول: المنطوق، فهذا يدل على جهل وتحامل، وكان الواجب أن يرد رداً علمياً بعيداً عن التحريش {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف (٦٤)].