عليهم لفظ (الصحوة) فماذا كان؟ ! كان عند المترصد أن هذا يعني -ذكر لفظة الصحوة- موافقة النصارى، وتكذيب النبي - صلى الله عليه وسلم -.
فهل هؤلاء يستحقون الرد، وهل هؤلاء لهم عقول مستقيمة؟ هذا من حيث المعنى.
وأما من حيث الواقع فإنهم ينفون عن الأمة غفوتها محتجين بقوله:((لا تزال طائفة من أمتي ... )) الحديث [رواه مسلم (١٥٦) وأحمد (٣/ ٣٤٥)]. ولا شك بصحة الحديث، وببقاء هذه الطائفة إلى يوم القيامة، ولكن هذا لا يعني قيام الأمة كلها على نصر الدين، بل ولا أكثرها، فإن لفظة طائفة يفيد التقليل، فالطائفة في اللغة -كما قال ابن الأثير في (النهاية) -: الواحد فصاعداً، بدليل قوله تعالى:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: (٩)]. وقوله:{فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} [التوبة: (١٢٢)]. ولا يدل الحديث على نفي الغفلة عن معظم الأمة، وإثبات الغفلة للأمة بعامة -بالجملة- لا ينفي وجود الطائفة، ولا يعني هذا رد الحديث، ويفسر هذا حديث عائشة، إذ قالت:((أنهلك وفينا الصالحون)) قال: ((نعم: إذا كثر الخبث)) [أخرجه البخاري: (٣١٦٨)، عن زينب بنت جحش] فأين الطائفة في ذلك الزمن؟ وهل عُطِّل الحديث؟ لا والله ما عُطِّل الحديث، ولكن عُطلِّت العقول عن الفهم، وفقدت النفوس الإنصاف.
والمقصود أن الحكم للغالب، وغالب الأمة كان في غفوة، بل كان في سُبات، وإن نفي الغفلة عن الأمة، إنما يدل على غفلة من هؤلاء عن حالها، وإلا فهل كانت الأمة يقظة حين رضخت تحت الاستعمار الصليبي عشرات السنين أين كانت الطائفة الناجية وقتئذ.
وهل كان أهل الجزيرة على يقظة من دينهم حين انتشرت فيهم البدع والشركيات، حتى قام الإمام ابن عبد الوهاب رحمه الله يدعوهم، فأين كانت الطائفة المنصورة قبله؟ ألم يَصْح المسلمون في جزيرة العرب بفضل الله على يد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، أفإن قال رجل هذا، قيل له: إذن وافقت النصارى واليهود، وعطلت حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - وسبحانك اللهم رحماك من الإجحاف.