قال تعالى -حاكياً عن إبراهيم عليه السلام مناظرته مع قومه-: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي ... } [الأنعام: (٧٦)].
ماذا يعني هذا؟ !
هل كان إبراهيم يعتقد ذلك؟ ! هل كان يعتقد أن الشمس والقمر والكوكب ربّه!
كلا ثم كلا، فإبراهيم عليه السلام ولد على الفطرة، ونشأ على الإيمان، ودعا إلى التوحيد، فكيف -إذن- جاز له أن يقول:{هذا ربي} ولا شك أن ظاهر هذا الكلام كفر، وهل يجوز له النطق بالكفر!
كل هذه الإشكالات تزول، إذا عُلم أن إبراهيم أسقط من مناظرته كلمة (هب) أو حكى عقيدة قومه دون أن ينسبها إليهم، للكر عليها ونقضها، وكذلك فعل، إذ قال بعد ذلك:{إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ... } [الأنعام: (٧٩)].
والمعنى:(افرضوا، وهبوا .. ) أن هذا (النجم أو القمر أو الشمس) هو الله الخالق، فإنه يُحرَّك، ويُسيَّر، فهو مخلوق إذن لا خالق، فالله هو الذي لا يُحرَّك، ولا يُسيَّر، بل هو الذي يُحرِّك، ويسيِّر، ويخلق، وبهذا تبطل حجتهم، وتخرس ألسنتهم.
ولعدم فهم هذا الأسلوب البديع، ذهب بعضهم إلى أن إبراهيم عليه السلام لم يكن -يومئذ- مؤمناً، ثم انتقل بعد ذلك من الشك إلى اليقين، وهي زلة كبيرة، ونجعة بعيدة.
ويبطل هذا وَصْفُ الله - عز وجل - إبراهيم بالرشد وهو فتى.
قال الله تعالى:{وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ} [الأنبياء: (٥١)]. فمن آتاه الله الرشد، لا يعتقد أن الكوكب ربه.
ويؤكد هذا، قوله تعالى بعد هذه الآية:{قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ... } [الأنبياء: (٦٠)].