للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولو أن رجلاً مات وهو لا يعلم، أرأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ربه أم لم يره، لا يضره ذلك في دين ولا عمل، ولا حساب ولا سؤال شيئاً، ولو مات وهو لا يحسن الوضوء، لأضر به ذلك ضرراً بالغاً.

ولو أن المترصدين أدركوا الفرق بين تَعَمُّدِ الخلاف، وبين جواز وقوعه، لما اعترضوا وشنعوا، فإن ثمة فرقاً بين من يخالف النص بهوى وجهل، وهذا هو المحرم، الذي تنصب النصوص عليه، وبين ما يقع من المجتهدين من الخلاف في الفهم، وهذا الذي لا يجوز فيه الطعن بأحد الأطراف، حتى وإن كان الخلاف في العقيدة، (١) وقاعدة ذلك هو قاعدة الخلاف المعتبر:

- إذا كانت أصول المختلفين صحيحة.

- ومناط استدلالهم معتبراً.

- وهم من أهل الاجتهاد.

- وبذلوا الجهد في ذلك.

ثم اختلفوا، فلا إثم على أحد منهم، مهما كان موضع الخلاف وشدته.

وقد أفاد هذا شيخ الإسلام بقوله: "فالصواب أنه من اجتهد من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وقصد الحق، فأخطأ: لم يكفر، بل يغفر له خطؤه، ومن تبين له ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فشاق الرسول من بعد ما تبين له الهدى، واتبع غير سبيل المؤمنين، فهو كافر، ومن اتبع هواه، وقصّر في طلب الحق، وتكلم بلا علم: فهو عاص مذنب، ثم قد يكون فاسقاً، وقد تكون له


(١) وهذا هو الذي قصدت من قولي: (جواز وقوع الخلاف في العقيدة)، أي جواز إمكانية وقوعه، لا جواز إباحة فعله، وقد وقع فعلاً بين السلف كما أشرنا إلى ذلك. وقد نقل بعضهم عني، أني أجوز الخلاف في العقيدة .. ولو فهم كلامي، لم ينقله بهذه الصيغة، فزعمه أني: أجوز الخلاف في العقيدة، يحتمل معنيين:
الأول: أني أدعو إلى الخلاف في العقيدة، وهذا باطل لا يقوله مسلم.
المعنى الآخر: أني لا أضلل المختلفين فيها، وهذا فيه تفصيل، فمنهم من يكون ضالاً .. سواء خالف في مسائل العقيدة، أو في غيرها، وذلك لفساد استدلاله، وضلال منهجه، ومنهم من لا يضلل كما ذكرنا ذلك في المتن، ونرجو الله أن ييسر لنا التفصيل .. والمصيبة ممن ينقل بالمعنى، وهو لا يفقهه، بل ولا يحسن العربية .. ثم يتسرع مسئول في الإجابة، وربما كان حاقداً، فيجتمع سوء الفهم مع سوء الظن .. فتكون مصيبة على مصيبة.

<<  <   >  >>