للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حقيقته، ثم يَغْرِزونَ خناجر الاتهام فيه، ثم ينشرونها على حبال التشهير، باسم السنة وحماية الدين، ينشرونها وهي تقطر -بدعواهم- ضلالاً، وخبثاً، وفساداً، وابتداعاً، دون أدلة -والله- ولا براهين، سوى الظنون الفاسدة، والإلزامات الباردة، ثم يغدون ويروحون يتباكُون على الإسلام والأمة الإسلامية، والدعوة الحق، والمنهج السليم، وقلما ينجو مُخالف لهم منهم، حتى الإمامان لم ينجوا من خناجرهم، ودخولهم في نياتهم (١).

فما إن يُخالف مقلدهم أو شيخهم أو زعيمَهم مخالفٌ إلا سارعوا إلى محاضراته يترصدونها، وإلى كتبه ينبشونها، كما ينبش اللصوص القبور، يفتشون هنا وهناك، فوق التراب وتحت التراب، لعلهم يحصلون على حبل القمر، أو قشة البعير، ثم يطيرون بها فرحين، وهم يصرخون: قصد كذا، أراد كذا، هذا تكفيري، خارجي، مرجئي، مداهن، عميل، من أين أتى بثمن سيارته؟ من أين أتى بثمن بيته؟ من أين أتى بتذاكر سفره؟ ! لو لم يكن مرتبطاً لما فعل كذا، لو لم يكن كذا لما كان كذا، وكلها إلزامات يستحي أولاد الكتاتيب أن يفهموها فهمهم، وفضلاً عن أن هذا فساد في الخُلُقِ، وإفساد للخَلْقِ، فهو إسعار للفتن، ومخالفة صريحة لمنهج السلف في النصح، كما أن فيه إساءة ظن، وادعاء علم الغيب، فإن ما في القلوب لا يعلمه إلا علام الغيوب ((أفلا شققت عن قلبه)) حتى قال أسامة: ((وددت أني لم أكن أسلمت قبل هذا)) وذلك لهول هذا الأمر، أن تمنى أن يكون قوله هذا قبل الإسلام، حتى لا يحاسب عليه، أفلا تتعظون يا أصحاب الدخول في النيات.

ولو كان هؤلاء مصلحين، لما كان هذا أسلوبهم، بل لقاموا: بالنصيحة السرية، وبالكلمة الطيبة، كما أمر الله - عز وجل - بذلك ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، فإن أبى المنصوح فدونكم هو.

ولو شئنا أن نسلك مسلكهم هذا لقلنا: معظم أعمالهم هذه التي يترصدون بها عباد الله، إنما تدل على سوء قصدهم، وتبييتهم الشر لبعض مخالفيهم، وإثارة الفتن بين المسلمين، ولكنا لانفعل هذا، حتى لا نقع فيما نُهينا عنه.


(١) راجع حاشية ص ١٥٢

<<  <   >  >>