. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[إحكام الأحكام]
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: يَقْتَضِي الْحَدِيثُ: أَنَّهُ بَعْدَ السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ يَخْرُجُ الْإِمَامُ، وَتَطْوِي الْمَلَائِكَةُ الصُّحُفَ لِاسْتِمَاعِ الذِّكْرِ. وَخُرُوجُ الْإِمَامِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ السَّادِسَةِ. وَهَذَا الْإِشْكَالُ إنَّمَا يَنْشَأُ إذَا جَعَلْنَا السَّاعَةَ هِيَ الزَّمَانِيَّةُ. أَمَّا إذَا جَعَلْنَا ذَلِكَ عِبَارَةً عَنْ تَرْتِيبِ مَنَازِلِ السَّابِقِينَ فَلَا يَلْزَمُ هَذَا الْإِشْكَالُ.
الْوَجْهُ الْخَامِسُ: يَقْتَضِي أَنْ تَتَسَاوَى مَرَاتِبُ النَّاسِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ. فَكُلُّ مَنْ أَتَى فِي الْأُولَى كَانَ كَالْمُقَرِّبِ بَدَنَةً. وَكُلُّ مَنْ أَتَى فِي الثَّانِيَةِ كَانَ كَمَنْ قَرَّبَ بَقَرَةً، مَعَ أَنَّ الدَّلِيلَ يَقْتَضِي أَنَّ السَّابِقَ لَا يُسَاوِيهِ اللَّاحِقُ. وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ، ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ» وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي هَذَا: إنَّ التَّفَاوُتَ يَرْجِعُ إلَى الصِّفَاتِ. وَاعْلَمْ أَنَّ بَعْضَ هَذِهِ الْوُجُوهِ لَا بَأْسَ بِهِ إلَّا أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَى الْمَذْهَبِ الْآخَرِ: أَنَّا إذَا خَرَجْنَا عَلَى السَّاعَاتِ الزَّمَانِيَّةِ لَمْ يَبْقَ لَنَا مَرَدٌّ يَنْقَسِمُ فِيهِ الْحَالُ إلَى خَمْسِ مَرَاتِبَ بَلْ يَقْتَضِي أَنْ يَتَفَاوَتَ الْفَضْلُ بِحَسَبِ تَفَاوُتِ السَّبْقِ فِي الْإِتْيَانِ إلَى الْجُمُعَةِ. وَذَلِكَ يَتَأَتَّى مِنْهُ مَرَاتِبُ كَثِيرَةٌ جِدًّا. فَإِنْ تَبَيَّنَ بِدَلِيلِ أَنْ يَكُونَ لَنَا مَرَدٌّ لَا يَكُونُ فِيهِ هَذَا التَّفَاوُتُ الشَّدِيدُ وَالْكَثْرَةُ فِي الْعَدَدِ، فَقَدْ انْدَفَعَ هَذَا الْإِشْكَالُ. فَإِنْ قُلْتَ: الْمُرَادُ أَنْ يَجْعَلَ الْوَقْتَ مِنْ التَّهْجِيرِ مُقَسَّمًا عَلَى خَمْسَةِ أَجْزَاءٍ. وَيَكُونُ ذَلِكَ مُرَادًا. قُلْتُ لَا يَصِحُّ ذَلِكَ لِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الرُّجُوعَ إلَى مَا تَقَرَّرَ مِنْ تَقْسِيمِ السَّاعَاتِ إلَى اثْنَيْ عَشَرَ أَوْلَى، إذَا كَانَ وَلَا بُدَّ مِنْ الْحَوَالَةِ عَلَى أَمْرٍ خَفِيَ عَلَى الْجُمْهُورِ. فَإِنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ لَمْ تُعْرَفْ لِأَصْحَابِ هَذَا الْعِلْمِ، وَلَا اُسْتُعْمِلَتْ عَلَى مَا اسْتَعْمَلَهُ الْجُمْهُورُ. وَإِنَّمَا يَنْدَفِعُ بِهَا لَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ الْإِشْكَالُ الَّذِي مَضَى، مِنْ أَنَّ خُرُوجَ الْإِمَامِ لَيْسَ عَقِيبَ الْخَامِسَةِ، وَلَا حُضُورِ الْمَلَائِكَةِ لِاسْتِمَاعِ الذِّكْرِ.
الثَّانِي: أَنَّ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ التَّهْجِيرَ أَفْضَلُ لَا يَقُولُونَ بِذَلِكَ عَلَى هَذِهِ الْقِسْمَةِ. فَإِنَّ الْقَائِلَ قَائِلَانِ، قَائِلٌ يَقُولُ: بِتَرْتِيبِ مَنَازِلِ السَّابِقِينَ عَلَى غَيْرِ تَقْسِيمِ هَذِهِ الْأَجْزَاءِ الْخَمْسَةِ. وَقَائِلٌ يَقُولُ: تَنْقَسِمُ الْأَجْزَاءُ سِتَّةً إلَى الزَّوَالِ. فَالْقَوْلُ بِتَقْسِيمِ هَذَا الْوَقْتِ إلَى خَمْسَةٍ إلَى الزَّوَالِ: يَكُونُ مُخَالِفًا لِلْكُلِّ. وَإِنْ كَانَ قَدْ قَالَ بِهِ قَائِلٌ فَلْيُكْتَفَ بِالْوَجْهِ الْأَوَّلِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الْحَدِيثِ: أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْبَيْضَةَ تُقَرَّبُ. وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ «كَالْمُهْدِي بَدَنَةً، وَكَالْمُهْدِي بَقَرَةً» - إلَى آخِرِهِ فَيَدُلُّ أَنَّ هَذَا التَّقْرِيبَ هُوَ الْهَدْيُ، وَيَنْشَأُ مِنْ هَذَا: أَنَّ اسْمَ " الْهَدْيِ " هَلْ يَنْطَلِقُ عَلَى مِثْلِ هَذَا؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute