٢٤١ - الْحَدِيثُ الثَّانِي: عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «قَدِمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ نَقُولُ: لَبَّيْكَ بِالْحَجِّ. فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَعَلْنَاهَا عُمْرَةً» .
ــ
[إحكام الأحكام]
بِتَرْكِ الْعُمْرَةِ عَلَى تَرْكِ الْمُضِيِّ فِي أَعْمَالِهَا. لَا عَلَى رَفْضِهَا بِالْخُرُوجِ مِنْهَا. وَأَهَلَّتْ بِالْحَجِّ، مَعَ بَقَاءِ الْعُمْرَةِ. فَكَانَتْ قَارِنَةً - اقْتَضَى ذَلِكَ: أَنْ تَكُونَ قَدْ حَصَلَ لَهَا عُمْرَةٌ. فَأَشْكَلَ حِينَئِذٍ قَوْلُهَا " يَنْطَلِقُونَ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ، وَأَنْطَلِقُ بِحَجٍّ " إذْ هِيَ أَيْضًا قَدْ حَصَلَ لَهَا حَجٌّ وَعُمْرَةٌ، لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ كَوْنِهَا صَارَتْ قَارِنَةً. فَاحْتَاجُوا إلَى تَأْوِيلِ هَذَا اللَّفْظِ. فَأَوَّلُوا قَوْلَهَا " يَنْطَلِقُونَ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ، وَأَنْطَلِقُ بِحَجٍّ " عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ: يَنْطَلِقُونَ بِحَجٍّ مُفْرَدٍ عَنْ عُمْرَةٍ، وَعُمْرَةٍ مُنْفَرِدَةٍ عَنْ حَجٍّ. وَأَنْطَلِقُ بِحَجٍّ غَيْرِ مُفْرَدٍ عَنْ عُمْرَةٍ. فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْعُمْرَةِ، لِيَحْصُلَ لَهَا قَصْدُهَا فِي عُمْرَةٍ مُفْرَدَةٍ عَنْ حَجٍّ، وَحَجٍّ مُفْرَدٍ عَنْ عُمْرَةٍ. هَذَا حَاصِلُ مَا قِيلَ فِي هَذَا. مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ خِلَافُهُ، بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذَا الْحَدِيثِ، لَكِنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ أَلْجَأَهُمْ إلَى مِثْلِ هَذَا.
وَقَوْلُهُ " فَأَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ - إلَى آخِرِهِ " يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْخَلْوَةِ بِالْمَحَارِمِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ. وَقَوْلُهُ " أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا إلَى التَّنْعِيمِ " يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ مَكَّةَ لَا يُحْرِمُ بِهَا مِنْ جَوْفِهَا. بَلْ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ إلَى الْحِلِّ. فَإِنَّ " التَّنْعِيمَ " أَدْنَى الْحِلِّ. وَهَذَا مُعَلَّلٌ بِقَصْدِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ فِي الْعُمْرَةِ، كَمَا وَقَعَ ذَلِكَ فِي الْحَجِّ. فَإِنَّهُ جَمَعَ فِيهِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ. فَإِنَّ " عَرَفَةَ " مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ. وَهِيَ مِنْ الْحِلِّ. وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ مَكَّةَ، وَلَمْ يَخْرُجْ إلَى الْحِلِّ: هَلْ يَكُونُ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ صَحِيحًا وَيَلْزَمُهُ دَمٌ، أَوْ يَكُونُ بَاطِلًا؟ وَفِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ خِلَافٌ. وَمَذْهَبُ مَالِكٍ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ. وَجَمَدَ بَعْضُ النَّاسِ فَشَرْطُ الْخُرُوجِ إلَى التَّنْعِيمِ بِعَيْنِهِ. وَلَمْ يَكْتَفِ بِالْخُرُوجِ إلَى مُطْلَقِ الْحِلِّ. وَمَنْ عَلَّلَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَفَهِمَ الْمَعْنَى - وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ - اكْتَفَى بِالْخُرُوجِ إلَى مُطْلَقِ الْحِلِّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute