للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[إحكام الأحكام]

شَرْعًا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا} [النساء: ١٣٠] أَيْ عَنْ النِّكَاحِ.

وَأُجِيبَ عَنْهُ: بِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ. فَإِنَّ السَّابِقَ إلَى الْفَهْمِ: التَّفَرُّقُ عَنْ الْمَكَانِ. وَأَيْضًا فَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ «مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا عَنْ مَكَانِهِمَا» وَذَلِكَ صَرِيحٌ فِي الْمَقْصُودِ. وَرُبَّمَا اُعْتُرِضَ عَلَى الْأَوَّلِ بِأَنَّ حَقِيقَةَ التَّفَرُّقِ: لَا تَخْتَصُّ بِالْمَكَانِ. بَلْ هِيَ عَائِدَةٌ إلَى مَا كَانَ الِاجْتِمَاعُ فِيهِ وَإِذَا كَانَ الِاجْتِمَاعُ فِي الْأَقْوَالِ: كَانَ التَّفَرُّقُ فِيهَا. وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهَا: كَانَ التَّفَرُّقُ عَنْهُ.

وَأُجِيبَ عَنْهُ: بِأَنَّ حَمْلَهُ عَلَى غَيْرِ الْمَكَانِ بِقَرِينَةٍ: يَكُونُ مَجَازًا.

الْوَجْهُ الثَّامِنُ: قَالَ بَعْضُهُمْ: تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ. فَإِنَّهُ أَثْبَتَ الْخِيَارَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ. فَالْحَالُ لَا تَخْلُو: إمَّا أَنْ يَتَّفِقَا فِي الِاخْتِيَارِ، أَوْ يَخْتَلِفَا. فَإِنْ اتَّفَقَا لَمْ يَثْبُتْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ خِيَارٌ. وَإِنْ اخْتَلَفَا - بِأَنْ اخْتَارَ أَحَدُهُمَا الْفَسْخَ وَالْآخَرُ الْإِمْضَاءَ، فَقَدْ اسْتَحَالَ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ الْخِيَارُ. إذْ الْجَمْعُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِمْضَاءِ مُسْتَحِيلٌ. فَيَلْزَمُ تَأْوِيلُ الْحَدِيثِ. وَلَا نَحْتَاجُ إلَيْهِ. وَيَكْفِينَا صَدُّكُمْ عَنْ الِاسْتِدْلَالِ بِالظَّاهِرِ. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنْ قِيلَ: لَمْ يُثْبِتْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُطْلَقَ الْخِيَارِ، بَلْ أَثْبَتَ الْخِيَارَ، وَسَكَتَ عَمَّا فِيهِ الْخِيَارُ. فَنَحْنُ نَحْمِلُهُ عَلَى خِيَارِ الْفَسْخِ. فَيَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خِيَارُ الْفَسْخِ عَلَى صَاحِبِهِ. وَإِنْ أَبَى صَاحِبُهُ ذَلِكَ.

الْوَجْهُ التَّاسِعُ ادِّعَاءُ أَنَّهُ حَدِيثٌ مَنْسُوخٌ: إمَّا لِأَنَّ عُلَمَاءَ الْمَدِينَةِ أَجْمَعُوا عَلَى عَدَمِ ثُبُوتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ. وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى النَّسْخِ. وَإِمَّا لِحَدِيثِ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي الْحَاجَةَ إلَى الْيَمِينَيْنِ. وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ لُزُومَ الْعَقْدِ. فَإِنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الْخِيَارُ لَكَانَ كَافِيًا فِي رَفْعِ الْعَقْدِ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ. وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا.

أَمَّا النَّسْخُ لِأَجْلِ عَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: فَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَيْهِ. وَالنَّسْخُ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ. وَمُجَرَّدُ الْمُخَالَفَةِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ لِلنَّسْخِ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>