٢٥٥ - الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -:
ــ
[إحكام الأحكام]
لِدَلِيلٍ آخَرَ رَاجِحٍ فِي ظَنِّهِمْ عِنْدَ تَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ عِنْدَهُمْ.
وَأَمَّا حَدِيثُ " اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ " فَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ ضَعِيفٌ جِدًّا؛ لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ أَوْ عَامٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى زَمَنِ التَّفَرُّقِ وَزَمَنِ الْمَجْلِسِ. فَيُحْمَلُ عَلَى مَا بَعْدَ التَّفَرُّقِ وَلَا حَاجَةَ إلَى النَّسْخِ. وَالنَّسْخُ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ.
الْوَجْهُ الْعَاشِرُ: حَمْلُ " الْخِيَارِ " عَلَى خِيَارِ الشِّرَاءِ، أَوْ خِيَارِ إلْحَاقِ الزِّيَادَةِ بِالثَّمَنِ، أَوْ الْمُثَمَّنِ. وَإِذَا تَرَدَّدَ لَمْ يَتَعَيَّنْ حَمْلُهُ عَلَى مَا ذَكَرْتُمُوهُ.
وَأُجِيبَ عَنْهُ: بِأَنَّ حَمْلَهُ عَلَى خِيَارِ الْفَسْخِ أَوْلَى لِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ لَفْظَةَ " الْخِيَارِ " قَدْ عُهِدَ اسْتِعْمَالُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خِيَارِ الْفَسْخِ، كَمَا فِي حَدِيثِ حِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ «وَلَكَ الْخِيَارُ» فَالْمُرَادُ مِنْهُ خِيَارُ الْفَسْخِ. وَحَدِيثُ الْمُصَرَّاةِ «فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا» وَالْمُرَادُ خِيَارُ الْفَسْخِ. فَيُحْمَلُ الْخِيَارُ الْمَذْكُورُ هَهُنَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَعْهُودًا مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَظْهَرَ فِي الْإِرَادَةِ.
الثَّانِي: قِيَامُ الْمَانِعِ مِنْ إرَادَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْخِيَارَيْنِ. أَمَّا خِيَارُ الشِّرَاءِ: فَلِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ اسْمِ " الْمُتَبَايِعَيْنِ " الْمُتَعَاقِدَانِ. وَالْمُتَعَاقِدَانِ: مَنْ صَدَرَ مِنْهُمَا الْعَقْدُ وَبَعْدَ صُدُورِ الْعَقْدِ مِنْهُمَا لَا يَكُونُ لَهُمَا خِيَارُ الشِّرَاءِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُمَا ذَلِكَ إلَى أَوَانِ التَّفَرُّقِ.
وَأَمَّا خِيَارُ إلْحَاقِ الزِّيَادَةِ بِالثَّمَنِ أَوْ بِالْمُثَمَّنِ: فَلَا يُمْكِنُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ عِنْدَ مَنْ يَرَى ثُبُوتَهُ مُطْلَقًا، أَوْ عَدَمَهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْخِيَارَ: إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا. فَلَا يَكُونُ لَهُمَا إلَى أَوَانِ التَّفَرُّقِ، وَإِنْ كَانَ: فَيَبْقَى بَعْدَ التَّفَرُّقِ عَنْ الْمَجْلِسِ فَكَيْفَمَا كَانَ لَا يَكُونُ ذَلِكَ الْخِيَارُ لَهُمَا ثَابِتًا، مُغَيًّا إلَى غَايَةِ التَّفَرُّقِ. وَالْخِيَارُ الْمُثْبَتُ بِالنَّصِّ هَهُنَا: هُوَ خِيَارٌ مُغَيًّا إلَى غَايَةِ التَّفَرُّقِ. ثُمَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْخِيَارِ هَذَا وَمِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ، مَا ذُكِرَ: أَنَّ مَالِكًا نُسِبَ إلَى مُخَالَفَةِ الْحَدِيثِ. وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ إلَّا إذَا حُمِلَ الْخِيَارُ " وَ " الْمُتَبَايِعَانِ " وَ " الِافْتِرَاقُ " عَلَى مَا ذُكِرَ. هَكَذَا قَالَ بَعْضُ النُّظَّارِ، إلَّا أَنَّهُ ضَعِيفٌ. فَإِنَّ نِسْبَةَ مَالِكٍ إلَى ذَلِكَ لَيْسَتْ مِنْ كُلِّ الْأُمَّةِ وَلَا أَكْثَرِهِمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute