للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢٥٧ - الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ. وَكَانَ بَيْعًا يَتَبَايَعُهُ أَهْلُ

ــ

[إحكام الأحكام]

الْعُقُودِ لَا فِي الْفُسُوخِ. بِدَلِيلِ أَنَّهُمَا لَوْ تَبَايَعَا ذَهَبًا بِفِضَّةٍ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَفْتَرِقَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَوْ تَقَايَلَا فِي هَذَا الْعَقْدِ. جَازَ أَنْ يَفْتَرِقَا قَبْلَ الْقَبْضِ.

وَأَمَّا الِاعْتِرَاضُ السَّابِعُ: فَجَوَابُهُ فِيمَا قِيلَ: إنَّ اللَّبَنَ الَّذِي كَانَ فِي الضَّرِعِ حَالَ الْعَقْدِ يَتَعَذَّرُ رَدُّهُ، لِاخْتِلَاطِهِ بِاللَّبَنِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَأَحَدُهُمَا لِلْبَائِعِ، وَالْآخَرُ لِلْمُشْتَرِي. وَتَعَذَّرَ الرَّدِّ لَا يَمْنَعُ مِنْ الضَّمَانِ، مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ، كَمَا لَوْ غَصَبَ عَبْدًا فَأَبَقَ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ، لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ.

وَأَمَّا الِاعْتِرَاضُ الثَّامِنُ: فَقِيلَ فِيهِ: إنَّ الْخِيَارَ يَثْبُتُ بِالتَّدْلِيسِ، كَمَا لَوْ بَاعَ رَحًا دَائِرَةً بِمَاءٍ قَدْ جَمَعَهُ لَهَا وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ. وَأَمَّا الْمَقَامُ الثَّانِي - وَهُوَ النِّزَاعُ فِي تَقْدِيمِ قِيَاسِ الْأُصُولِ عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ - فَقِيلَ فِيهِ: إنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ، يَجِبُ اعْتِبَارُهُ؛ لِأَنَّ الَّذِي أَوْجَبَ اعْتِبَارَ الْأُصُولِ: نَصَّ صَاحِبُ الشَّرْعِ عَلَيْهَا. وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ. فَيَجِبُ اعْتِبَارُهُ، وَأَمَّا تَقْدِيمُ الْقِيَاسِ عَلَى الْأُصُولِ، بِاعْتِبَارِ الْقَطْعِ وَكَوْنِ خَبَرِ الْوَاحِدِ مَظْنُونًا: فَتَنَاوُلُ الْأَصْلِ لِمَحِلِّ خَبَرِ الْوَاحِدِ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ، لِجَوَازِ اسْتِثْنَاءِ مَحَلِّ الْخَبَرِ مِنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ. وَعِنْدِي: أَنَّ التَّمَسُّكَ بِهَذَا الْكَلَامِ أَقْوَى مِنْ التَّمَسُّكِ بِالِاعْتِذَارَاتِ عَنْ الْمَقَامِ الْأَوَّلِ. وَمِنْ النَّاسِ مَنْ سَلَكَ طَرِيقَةً أُخْرَى فِي الِاعْتِذَارِ عَنْ الْحَدِيثِ وَهِيَ ادِّعَاءُ النَّسْخِ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ كَانَتْ الْعُقُوبَةُ بِالْمَالِ جَائِزَةً. وَهُوَ ضَعِيفٌ، فَإِنَّهُ إثْبَاتُ نَسْخٍ بِالِاحْتِمَالِ وَالتَّقْدِيرِ. وَهُوَ غَيْرُ سَائِغٍ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَى مَا إذَا اشْتَرَى شَاةً بِشَرْطِ أَنَّهَا تَحْلُبُ خَمْسَةَ أَرْطَالٍ مَثَلًا وَشَرَطَ الْخِيَارَ، فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ فَاسِدٌ. فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى إسْقَاطِهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ صَحَّ الْعَقْدُ، وَإِنْ لَمْ يَتَّفِقَا بَطَلَ وَأَمَّا رَدُّ الصَّاعِ: فَلِأَنَّهُ كَانَ قِيمَةَ اللَّبَنِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. وَأُجِيبَ عَنْهُ: بِأَنَّ الْحَدِيثَ يَقْتَضِي تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِالتَّصْرِيَةِ، وَمَا ذُكِرَ يَقْتَضِي تَعْلِيقَهُ بِفَسَادِ الشَّرْطِ، سَوَاءٌ أَحْدَثَ التَّصْرِيَةَ أَمْ لَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>