للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[إحكام الأحكام]

السَّادِسُ: الْكَلَامُ عَلَى الْإِشْكَالِ الْعَظِيمِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: كَيْفَ يَأْذَنُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْبَيْعِ عَلَى شَرْطٍ فَاسِدٍ؟ وَكَيْفَ يَأْذَنُ، حَتَّى يَقَعَ الْبَيْعُ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ فَيَدْخُلَ الْبَائِعُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُبْطِلُ اشْتِرَاطَهُ؟ . فَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْإِشْكَالِ. فَمِنْهُمْ مَنْ صَعُبَ عَلَيْهِ، فَأَنْكَرَ هَذِهِ اللَّفْظَةَ. أَعْنِي قَوْلَهُ " وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ " وَقَدْ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَكْثَمَ. وَبَلَغَنِي عَنْ الشَّافِعِيِّ قَرِيبٌ مِنْهُ. وَأَنَّهُ قَالَ " اشْتِرَاطُ الْوَلَاءِ " رَوَاهُ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، وَانْفَرَدَ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ رُوَاةِ هَذَا الْحَدِيثِ. وَغَيْرُهُ مِنْ رُوَاتِهِ: أَثْبَتُ مِنْ هِشَامٍ. وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى إثْبَاتِ اللَّفْظَةِ، لِلثِّقَةِ بِرَاوِيهَا. وَاخْتَلَفُوا فِي التَّأْوِيلِ وَالتَّخْرِيجِ. وَذُكِرَ فِيهِ وُجُوهٌ:

أَحَدُهَا: أَنَّ " لَهُمْ " بِمَعْنَى عَلَيْهِمْ، وَاسْتَشْهَدُوا لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ} [غافر: ٥٢] بِمَعْنَى " عَلَيْهِمْ " {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: ٧] بِمَعْنَى عَلَيْهَا " وَفِي هَذَا ضَعْفٌ. أَمَّا أَوَّلًا: فَلِأَنَّ سِيَاقَ الْحَدِيثِ، وَكَثِيرًا مِنْ أَلْفَاظِهِ: يَنْفِيه. وَأَمَّا ثَانِيًا: فَلِأَنَّ اللَّامَ لَا تَدُلُّ بِوَضْعِهَا عَلَى الِاخْتِصَاصِ النَّافِعِ، بَلْ تَدُلُّ عَلَى مُطْلَقِ الِاخْتِصَاصِ. فَقَدْ يَكُونُ فِي اللَّفْظِ مَا يَدُلُّ عَلَى الِاخْتِصَاصِ النَّافِعِ، وَقَدْ لَا يَكُونُ.

وَثَانِيهِمَا مَا فَهِمْتُهُ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَتَلْخِيصُهُ: أَنْ يَكُونَ هَذَا الِاشْتِرَاطُ بِمَعْنَى تَرْكِ الْمُخَالَفَةِ لِمَا شَرَطَهُ الْبَائِعُونَ، وَعَدَمِ إظْهَارِهِ النِّزَاعَ فِيمَا دَعُوا إلَيْهِ، وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنْ التَّخْلِيَةِ وَالتَّرْكِ بِصِيغَةٍ تَدُلُّ عَلَى الْفِعْلِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَدْ أَطْلَقَ لَفْظَ الْإِذْنِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى التَّمْكِينِ مِنْ الْفِعْلِ وَالتَّخْلِيَةِ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَهُ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ يَقْتَضِي الْإِبَاحَةَ وَالتَّجْوِيزَ؟ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا يَذْكُرُهُ الْمُفَسِّرُونَ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة: ١٠٢] .

وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْإِذْنِ هَهُنَا: إبَاحَةَ اللَّهِ تَعَالَى لِلْإِضْرَارِ بِالسِّحْرِ. وَلَكِنَّهُ لَمَّا خَلَّى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ذَلِكَ الْإِضْرَارِ: أَطْلَقَ عَلَيْهِ لَفْظَةَ " الْإِذْنِ " مَجَازًا، وَهَذَا - وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا إلَّا أَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ ظَاهِرَةٍ عَلَى الْمَجَازِ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ.

وَثَالِثُهُمَا: أَنَّ لَفْظَةَ " الِاشْتِرَاطِ " وَ " الشَّرْطِ " وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهَا تَدُلُّ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>