. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[إحكام الأحكام]
وَقَوْلُهُ " لَا يُخْرِجُهُ إلَّا جِهَادٌ فِي سَبِيلِي، وَإِيمَانٌ بِي " دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ هَذَا الثَّوَابُ إلَّا لِمَنْ صَحَّتْ نِيَّتُهُ، وَخَلَصَتْ مِنْ شَوَائِبِ إرَادَةِ الْأَغْرَاضِ الدُّنْيَوِيَّةِ فَإِنَّهُ ذُكِرَ بِصِيغَةِ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ الْمُقْتَضِيَيْنِ لِلْحَصْرِ، وَقَوْلُهُ " فَهُوَ عَلَيَّ ضَامِنٌ " قِيلَ: إنَّ فَاعِلًا هَهُنَا بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، كَمَا قِيلَ فِي " مَاءٍ دَافِقٍ " وَ " عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ " أَيْ مَدْفُوقٍ، وَمَرْضِيَّةٍ، عَلَى احْتِمَالِ هَاتَيْنِ اللَّفْظَتَيْنِ لِغَيْرِ ذَلِكَ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ " ضَامِنًا " بِمَعْنَى ذَا ضَمَانٍ، كَلَابِنٍ، وَتَامِرٍ، وَيَكُونُ الضَّمَانُ لَيْسَ مِنْهُ، وَإِنَّمَا نُسِبَ إلَيْهِ لِتَعَلُّقِهِ بِهِ وَالْعَرَبُ تُضِيفُ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ، وَقَوْلُهُ " أَرْجِعُهُ " مَفْتُوحُ الْهَمْزَةِ مَكْسُورُ الْجِيمِ مِنْ رَجَعَهُ، ثُلَاثِيًّا مُتَعَدِّيًا، وَلَازِمُهُ، وَمُتَعَدِّيه، وَاحِدٌ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ} [التوبة: ٨٣] قِيلَ: إنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُعَارِضٌ لِلْحَدِيثِ الْآخَرِ، وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَا مِنْ غَازِيَةٍ، أَوْ سَرِيَّةٍ، تَغْزُو، فَتَغْنَمَ، وَتَسْلَمَ، إلَّا كَانُوا قَدْ تَعَجَّلُوا ثُلُثَيْ أَجْرِهِمْ، وَمَا مِنْ غَازِيَةٍ أَوْ سَرِيَّةٍ تَغْزُو، فَتُخْفِقَ أَوْ تُصَابَ إلَّا تَمَّ لَهُمْ أَجْرُهُمْ»
، وَالْإِخْفَاقُ: أَنْ تَغْزُوَ فَلَا تَغْنَمَ شَيْئًا ذَكَرَ الْقَاضِي مَعْنَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْمُعَارَضَةِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ، وَعِنْدِي: أَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى مُوَافَقَتِهِ مِنْهُ إلَى مُعَارَضَتِهِ، وَيَبْعُدُ جِدًّا أَنْ يُقَالَ بِتَعَارُضِهِمَا. نَعَمْ، كِلَاهُمَا مُشْكِلٌ. أَمَّا ذَلِكَ الْحَدِيثُ: فَلِتَصْرِيحِهِ بِنُقْصَانِ الْأَجْرِ بِسَبَبِ الْغَنِيمَةِ، وَأَمَّا هَذَا: فَلِأَنَّ " أَوْ " تَقْتَضِي أَحَدَ الشَّيْئَيْنِ، لَا مَجْمُوعَهُمَا فَيَقْتَضِي: إمَّا حُصُولُ الْأَجْرِ أَوْ الْغَنِيمَةَ، وَقَدْ قَالُوا: لَا يَصِحُّ أَنْ تُنْقِصَ الْغَنِيمَةُ مِنْ أَجْرِ أَهْلِ بَدْرٍ، وَكَانُوا أَفْضَلَ الْمُجَاهِدِينَ، وَأَفْضَلَهُمْ غَنِيمَةً وَيُؤَكِّدُ هَذَا: تَتَابُعُ فِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَصْحَابِهِ مِنْ بَعْدِهِ عَلَى أَخْذِ الْغَنِيمَةِ، وَعَدَمِ التَّوَقُّفِ عَنْهَا، وَقَدْ اخْتَلَفُوا - بِسَبَبِ هَذَا الْإِشْكَالِ - فِي الْجَوَابُ
فَمِنْهُمْ مِنْ جَنَحَ إلَى الطَّعْنِ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ وَقَالَ: إنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَزَعَمَ أَنَّ بَعْضَ رُوَاتِهِ لَيْسَ بِمَشْهُورٍ، وَهَذَا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ مُسْلِمًا أَخْرَجَهُ فِي كِتَابِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّ هَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute