للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[إحكام الأحكام]

الَّذِي تَعَجَّلَ مِنْ أَجْرِهِ بِالْغَنِيمَةِ: فِي غَنِيمَةٍ أُخِذَتْ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهَا، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهَذَا بَعِيدٌ لَا يَحْتَمِلُهُ الْحَدِيثُ، وَقِيلَ: إنَّ هَذَا الْحَدِيثَ - أَعْنِي الَّذِي نَحْنُ فِي شَرْحِهِ - شَرَطَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي الْإِخْلَاصَ، وَالْحَدِيثُ الَّذِي فِي نُقْصَانِ الْأَجْرِ: يُحْمَلُ عَلَى مَنْ قَصَدَ مَعَ الْجِهَادِ: طَلَبَ الْمَغْنَمِ فَهَذَا شِرْكٌ بِمَا يَجُوزُ لَهُ التَّشْرِيكُ فِيهِ، وَانْقَسَمَتْ نِيَّتُهُ بَيْنَ الْوَجْهَيْنِ فَنَقَصَ أَجْرُهُ، وَالْأَوَّلُ: أَخْلَصُ، فَكَمُلَ أَجْرُهُ. قَالَ الْقَاضِي: وَأَوْجَهُ مِنْ هَذَا عِنْدِي فِي اسْتِعْمَالِ الْحَدِيثَيْنِ عَلَى وَجْهَيْهِمَا أَيْضًا: أَنْ نَقْصَ أَجْرِ الْغَانِمِ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ مِنْ الدُّنْيَا، وَحِسَابُ ذَلِكَ بِتَمَتُّعِهِ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا، وَذَهَابِ شَظَفِ عَيْشِهِ فِي غَزْوِهِ، وَبَعْدَهُ، إذَا قُوبِلَ بِمَنْ أَخْفَقَ، وَلَمْ يُصِبْ مِنْهَا شَيْئًا، وَبَقِيَ عَلَى شَظَفِ عَيْشِهِ، وَالصَّبْرِ عَلَى غَزْوِهِ فِي حَالِهِ، وُجِدَ أَجْرُ هَذَا أَبَدًا فِي ذَلِكَ وَافِيًا مُطَّرِدًا، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، وَمِثْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «فَمِنَّا مَنْ مَاتَ، وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ، فَهُوَ يَهْدُبُهَا» ، وَأَقُولُ: أَمَّا التَّعَارُضُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ: فَقَدْ نَبَّهْنَا عَلَى بُعْدِهِ فَأَمَّا الْإِشْكَالُ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي: فَظَاهِرُهُ جَارٍ عَلَى الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْأُجُورَ قَدْ تَتَفَاوَتُ بِحَسَبِ زِيَادَةِ الْمَشَقَّاتِ، لَا سِيَّمَا مَا كَانَ أَجْرُهُ بِحَسَبِ مَشَقَّتِهِ، أَوْ لِمَشَقَّتِهِ دَخْلٌ فِي الْأَجْرِ، وَإِنَّمَا يَشْكُلُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ الْمُتَّصِلُ بِأَخْذِ الْغَنَائِمِ فَلَعَلَّ هَذَا مِنْ بَابِ تَقْدِيمِ بَعْضِ الْمَصَالِحِ الْجُزْئِيَّةِ عَلَى بَعْضٍ فَإِنَّ ذَلِكَ الزَّمَنَ كَانَ الْإِسْلَامُ فِيهِ غَرِيبًا - أَعْنِي ابْتِدَاءَ زَمَنِ النُّبُوَّةِ -، وَكَانَ أَخْذُ الْغَنَائِمِ عَوْنًا عَلَى عُلُوِّ الدِّينِ، وَقُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَضُعَفَاءِ الْمُهَاجِرِينَ، وَهَذِهِ مَصْلَحَةٌ عُظْمَى قَدْ يُغْتَفَرُ لَهَا بَعْضُ النَّقْصِ فِي الْأَجْرِ مِنْ حَيْثُ هُوَ هُوَ، وَأَمَّا مَا قِيلَ فِي أَهْلِ بَدْرٍ: فَقَدْ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ النُّقْصَانَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْغَيْرِ، وَلَيْسَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ التَّقَابُلُ بَيْنَ كَمَالِ أَجْرِ الْغَازِي نَفْسِهِ إذَا لَمْ يَغْنَمْ، وَأَجْرِهِ إذَا غَنِمَ.

فَيَقْتَضِي هَذَا: أَنْ يَكُونَ حَالُهُمْ عِنْدَ عَدَمِ الْغَنِيمَةِ: أَفْضَلَ مِنْ حَالِهِمْ عِنْدَ وُجُودِهَا، لَا مِنْ حَالِ غَيْرِهِمْ، وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ حَالِ غَيْرِهِمْ قَطْعًا، فَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ. لَكِنْ لَا بُدَّ - مِنْ هَذَا - مِنْ اعْتِبَارِ الْمُعَارِضِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فَلَعَلَّهُ مَعَ اعْتِبَارِهِ لَا يَكُونُ نَاقِصًا، وَيُسْتَثْنَى حَالُهُمْ مِنْ الْعُمُومِ الَّذِي فِي الْحَدِيثِ

<<  <  ج: ص:  >  >>