للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

١٠٨٦٩ - حدثنا محمد بن يحيى النيسابوري، حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي (١) ح

وحدثنا أبو يحيى بن أبي مسرة (٢)، حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ (٣)، قالا: حدثنا سليمان بن المغيرة (٤)، عن حميد بن هلال، عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر، قال: قال أبو ذر: خرجنا من قومنا

⦗٦٩⦘ غفار، وكانوا يحلون الشهر الحرام، فخرجت أنا وأخي أُنيس (٥)، وأمنا (٦)، فانطلقنا حتى نزلنا على خالنا في ماله، فأكرمنا خالنا وأحسن إلينا، فحسدنا قومة، وقالوا: إنك إذا خرجت عن أهلك خالف إليهم أنيس، قال: فنثا (٧) علينا ما قيل له، قال: فقلت [له] (٨): أما ما مضى من معروفك فقد كدرته، ولا جماع لك فيما بعد اليوم، فقربنا صرمتنا (٩) فاحتملنا عليها، قال: وتغطى خالنا ثوبه، فجعل يبكي، فانطلقنا حتى نزلنا بحضرة مكة، قال: فنافر (١٠) أنيس عن صرمتنا وعن مثلها، فأتينا الكاهن، فخير أنيس عليه، فأتانا بصرمتنا

⦗٧٠⦘ ومثلها معها، قال: وصليت يابن أخي قبل أن ألقى رسول الله بثلاث سنين، قال: قلت: لمن؟ قال: لله ﷿، قال: قلت: فأين كنت تَوَجه؟ قال: حيث وجهني الله، أصلي عشاءً حتى إذا كان آخر الليل ألقيت، حتى كأني خفاء -يعني: الثوب الملقى- حتى تعلوني الشمس، قال: فقال أنيس: إن لي حاجة بمكة، فاكفني حتى آتيك، قال: فراث (١١) عليّ، ثم أتاني، فقلت: ما حبسك؟ قال: لقيت رجلًا بمكة على دينك، يذكر أن الله ﷿ أرسله، قال أنيس: فوالله لقد سمعت قول الكهنة، فما هو بقولهم، ولقد وضعت قوله على أقراء (١٢) الشعر، فما هو يلتئم على لسان أحد بعدي أنه شعر، والله إنه لصادق، وإنهم لكاذبون، قال: قلت: اكفني حتى أذهب فأنظر، فقال: نعم، وكن من أهل مكة على حذر، فإنهم قد شنفوا له (١٣)، وتجهموا له (١٤).

قال: فقدمت مكة، فتضاعفت (١٥) رجلًا منهم، فقلت: (١٦) أين

⦗٧١⦘ هذا الرجل الذي تدعون الصابئ (١٧)؛ فأشار إلي، قال: الصابئ؟ فمال عليّ أهل الوادي بكل مدرة وعظم، حتى خررت مغشيًّا علي، فارتفعت حين ارتفعت، وكأني نصب (١٨) أحمر، فأتيت زمزم، فغسلت عني الدم، وشربت من مائها، قال: فلبثت يابن أخي ثلاثين من بين يوم وليلة، ما لي طعام إلا ماء زمزم، فسمنت حتى تكسرت عكن (١٩) بطني، وما وجدت على كبدي سخفة (٢٠) جوع، قال: فبينا أهل مكة في ليلة قمراء أضحيان (٢١)، إذ ضرب الله ﷿ على أسمختهم (٢٢)، فما يطوف بالبيت منهم أحد غير امرأتين، فأتتا علي في

⦗٧٢⦘ طوافهما وهما يدعوان إسافًا ونائلة (٢٣)، فقلت: أنكحا أحدهما الآخر، فما ثناهما ذلك، قال: فأتتا علي، فقلت: هَنٌ (٢٤) مثل الخشبة! -غير أني لم أكن- قال: فانطلقتا تولولان، وتقولان: لو كان هاهنا أحد من أنفارنا؟ فاستقبلهما رسول الله وأبو بكر ، وهما هابطان من الجبل، فقال: ما لكما؟ قالتا: الصابئ بين الكعبة وأستارها، فقال: ما قال لكما؟ قالتا: قال لنا كلمة تملأ الفم (٢٥).

قال: وأقبل رسول الله وصاحبه حتى أتيا الحجر، فاستلمه، ثم طاف بالبيت، ثم صلى، فأتيته حين قضى صلاته، فكنت أول من حياه بتحية الإسلام، فقال: "وعليك السلام ورحمة الله، ممن أنت"؟ فقلت: من غفار، فأهوى بيده ووضع يده على جبينه، فقلت لنفسي: كره إذ انتميت إلى غفار، قال: فأهويت لآخذ بيده، فقدعني (٢٦)

⦗٧٣⦘ صاحبه، وكان أعلم به مني، ثم رفع رأسه، فقال: "متى كنت هاهنا"؟ قال: قلت: منذ ثلاثين من بين يوم وليلة، قال: "فمن كان يطعمك"؟ قال: قلت: ما كان لي طعام إلا ماء زمزم، قال: فسمنت حتى تكسرت عكن بطني، وما وجدت على كبدي سخفة جوع، فقال رسول الله : "إنها مباركة، إنها طعام طعم"، فقال أَبو بكر: يا رسول الله! أتحفني (٢٧) بطعامه الليلة.

قال: فانطلق رسول الله وانطلق أَبو بكر ، وانطلقت معهما (٢٨) ففتح أَبو بكر بابًا، فجعل يقبض لنا من زبيب الطائف، قال: فذلك أول طعام أكلت بها، قال: فغبرت (٢٩) ما غبرت، فلقيت رسول الله ، فقال لي: "قد وجهت إلى أرض ذات نخل، ولا أحسبها إلا يثرب، فهل أنت مبلغ عني قومك، عسى الله أن ينفعهم بك ويأجرك"؟ فقلت: نعم.

فانطلقت حتى قدمت على أخي أنيس، فقال: ما صنعت؟ فقلت: صنعت أن أسلمت وصدقت، فقال أنيس: ما بي رغبة عن دينك، وإني قد أسلمت وصدقت قال: ثم أتيت أمنا، فقالت: ما بي رغبة عن

⦗٧٤⦘ دينكما، فإني قد أسلمت وصدقت، قال: واحتملنا (٣٠)، فأتينا قومنا غفار، فأسلم بعضهم قبل أن يقدم رسول الله المدينة، فكان يؤمهم إيماء بن رحضة (٣١) الغفاري، وكان سيدهم، قال: وقال بقيتهم إذا قدم رسول الله أسلمنا، فقدم رسول الله ، فأسلم بقيتهم، وجاءت أسلم فقالت: يا رسول الله! إخواننا نسلم على الذي (٣٢) أسلموا عليه، فقال رسول الله : "غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله" (٣٣). معنى حديثهما واحد (٣٤).


(١) أبو عبد الرحمن البصري.
(٢) هو: عبد الله بن أحمد بن أبي مسرة المكي.
(٣) أبو عبد الرحمن المكي، الإمام المقرئ.
(٤) موضع الالتقاء هو: سليمان بن المغيرة.
(٥) هو: أنيس بن جنادة بن سفيان بن عبيد بن حرام بن غفار الغفاري، أخو أبي ذر، وكان أكبر منه. انظر: الإصابة (١/ ١٣٦).
(٦) اسمها: رملة بنت الوقيعة الغفارية. الإصابة (٧/ ١٢٥).
(٧) أي: أخبر به، وأفشاه. غريب الحديث (٢/ ٣٩١)، المشارق (٢/ ٤)، شرح صحيح مسلم (١٦/ ٤١).
(٨) زيادة من (ك).
(٩) بكسر الصاد، وهي: القطعة من الإبل.
انظر: غريب الحديث لابن الجوزي (١/ ٥٨٧)، المشارق (٢/ ٤٢)، شرح صحيح مسلم (١٦/ ٤١).
(١٠) قال أبو عبيد: المنافرة: أن يفتخر الرجلان كل واحد على صاحبه، ثم يحكما بينهما رجلًا، وكانت هذه المفاخرة بالشعر أيهما أشعر، كما بينته الرواية الأخرى.
غريب الحديث لأبي عبيد (٤/ ٤٠)، وشرح صحيح مسلم (١٦/ ٤١).
(١١) أي: أبطأ. شرح صحيح مسلم للنووي (١٦/ ٤٢).
(١٢) أي: طرقه وأنواعه. المشارق (٢/ ١٧٥)، وشرح صحيح مسلم (١٦/ ٤٢).
(١٣) أي: أبغضوه. غريب الحديث (١/ ٥٦٢)، المشارق (٢/ ٢٥٤)، شرح صحيح مسلم (١٦/ ٤٧).
(١٤) أي: قابلوه بوجوه غليظة كريهة. المشارق (١/ ١٦٢)، وشرح صحيح مسلم (١٦/ ٤٧).
(١٥) أي: فنظرت إلى أضعفهم فسألته، لأن الضعيف مأمون الغائلة غالبًا. انظر: شرح صحيح مسلم (١٦/ ٤٣).
(١٦) (ك ٥/ ١٧٣/أ).
(١٧) الصابئ: هو الخارج من دين إلى آخر. المشارق (٢/ ٣٧).
(١٨) يعني: من كثرة الدماء، والنصب: هو الحجر والصنم كانت الجاهلية تنصب وتذبح عنده فيحمر بالدم. المشارق (٢/ ١٥)، شرح صحيح مسلم (١٦/ ٤٣).
(١٩) أي: طياته سمنًا، أي ينطوي بعضها على بعض، والمعنى: أي انثنت لكثرة السمن وانطوت. انظر: المشارق (٢/ ٨٢)، وشرح صحيح مسلم (١٦/ ٤٣).
(٢٠) أي: رقة الجوع وضعفه وهزاله، والسخف -بالفتح- رقة العيش، وبالضم: رقة العقل.
غريب الحديث (١/ ٤٦٨)، المشارق (٢/ ٢١٠)، شرح صحيح مسلم (١٦/ ٤٣).
(٢١) أي: مضيئة. غريب الحديث (٢/ ٨)، وشرح صحيح مسلم (١٦/ ٤٤).
(٢٢) السماخ: هو الخرق الذي في الأذن، يفضي إلى الرأس، ويقال: صماخ -بالصاد- وهو أفصح وأشهر، والمراد بأصمختهم هنا: أذانهم، أي ناموا.
غريب الحديث (١/ ٦٠٣)، المشارق (٢/ ٤٦)، شرح صحيح مسلم (١٦/ ٤٤).
(٢٣) إساف ونائلة: صنمان تزعم العرب أنهما كانا رجلًا وامرأة زنيا في الكعبة، فمسخا.
وقيل: هما صنمان وضعهما عمرو بن لحي على الصفا والمروة، وكان يذبح عليهما تجاه الكعبة. انظر: النهاية (١/ ٤٩)، لسان العرب (٩/ ٦).
(٢٤) كناية عن كل شيء، وأكثر ما يستعمل: كناية عن الفرج والذكر.
غريب الحديث (٢/ ٥٠٢)، المشارق (٢/ ٢٧١)، شرح صحيح مسلم (١٦/ ٤٤).
(٢٥) أي: عظيمة، لا شيء أقبح منها، كالشيء الذي يملأ الشيء ولا يسع غيره، وقيل: لا يمكن ذكرها كأنها تسد فم حاكيها وتملؤه. شرح صحيح مسلم (١٦/ ٤٤، ٤٥).
(٢٦) من القدع، وهو الكف والمنع.
غريب الحديث (٢/ ٢٢٤)، المشارق (٢/ ١٧٣)، شرح صحيح مسلم (١٦/ ٤٥).
(٢٧) أي: خصني به وأكرمني بذلك كما يخص بالتحفة.
المشارق (١/ ١٢٠)، شرح صحيح مسلم (١٦/ ٤٨).
(٢٨) (ك ٥/ ١٧٣ / ب).
(٢٩) أي: بقيت ما بقيت. المشارق (٢/ ١٢٧).
(٣٠) في (ك) و (هـ): "فاحتملنا".
(٣١) هو: ابن خربة بن خفاف بن حارثة بن غفار، قديم الإسلام، قال ابن المديني: له صحبة. انظر: الإصابة (١/ ١٦٩).
(٣٢) هكذا في الأصل وصحيح مسلم، وهو الصواب، وجاء في (ك): "الذين".
(٣٣) أخرجه مسلم في صحيحه (كتاب فضائل الصحابة -باب من فضائل أبي ذر -٤/ ١٩١٩، رقم ١٣٢).
(٣٤) أي: الراويان عن سليمان بن المغيرة، وهما: القعنبي، وعبد الله بن يزيد المقرئ.