(٢) موضع الالتقاء مع مسلم. (٣) هو: محمد بن مسلم بن تدرس القرشي الأسدي -مولاهم- أبو الزبير المكِّي. (٤) ذاتُ عِرق: بكسر العين وسكون الراء بعدها قاف، سمي بذلك لأن فيه عرقًا، وهو = ⦗٨٤⦘ = الجبل الصغير، وهي أرض سبخة تنبت الطرفاء، بينها وبين مكة مرحلتان أو يومان وبعضُ يوم كما قال القُرطُبي، والمسافة اثنان وأربعون ميلًا، وهو الحدّ الفاصل بين نجد وتهامة. وهي الآن في شمال شرقي مكة المكرمة جهة الطائف على نظام قوافل القديم، يطؤها درب المنقي والمعروف بدرب زُبيدة، ويسمى موقعه الآن بالضريبة والخريبات، علمًا بأن آثاره السابقة قد اندثرت، ويحرم الحجاج إلى الآن من السيل الكبير وهي محاذية لذات عرق. انظر: المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم للقُرطُبي (٣/ ٢٦٣)، فتح الباري (٣/ ٣٨٩)، وانظر: معالم مكة التاريخية والأثرية (ص ١٦٠، ١٨٣)، معجم معالم الحجاز (٥/ ١٩٩، ج ٦/ ٧٧)، كلاهما للبلادي. (٥) أخرجه مسلم في كتاب الحج -باب مواقيت الحج والعُمرة (٢/ ٨٤٠، ح ١٦) عن إسحاق ابن إبراهيم عن روح بن عبادة عن ابن جريج به، ولم يذكر متنه مكتفيًا بمتن الحديث الذي بعده، عن محمد بن حاتم وعبد بن حميد كلاهما عن محمد بكر عن ابن جريج به، وأخرجه الدارقطنيّ (٢/ ٢٣٧) عن أبي بكر النيسابوري، عن يوسف بن سعيد وأبي حميد، عن حجاج بنحوه، وفيه زيادة: "مُهَلُّ أهل المدينة من ذي الحليفة والطريق الأخرى الجحفة"، كما عند المصنف في الرواية التالية. قال الإمام النووي في شرحه على مسلم (٨ ج / ٣٢٦): "وقوله: أحسبه رفع، لا يحتج بهذا الحديث مرفوعًا لكونه لم يجزم برفعه". قلت: لم أقف في المصادر الحديثية على رواية صحيحة تنص على أنَّ جابرًا ﵁ سمَّى النَّبِيّ ﷺ، عدا طُرق تُكلِّمَ فيها، فأخرج الإمام ابن ماجه في سننه = ⦗٨٥⦘ = (ص ٤٩٤، ح ٢٩١٥) عن علي بن محمد، عن وكيع، عن إبراهيم بن يزيد الخُوزي، عن أبي الزُّبير عن جابر ﵁ قال: خطبنا رسول الله ﷺ فقال: "مهل أهل المدينة … " وفيه: "ومُهَلّ أهل المشرق من ذات عِرق"، وهذا إسناد ضعيف جدًّا لأجل إبراهيم الخُوزي، قال فيه الإمام أحمد وعلي بن الجُنيد والنسائي والحافظ ابن حجر: "متروك الحديث"، وقال ابن معين (السنن الكبرى للبيهقي ٤/ ٣٣٠): "ليس بثقة"، وقال الدارقطني: "منكر الحديث"، وقال ابن المديني وابن سعد وابن عبد البر (التمهيد ٩/ ٢٦) والهيثمي (مجمع الزوائد ٢/ ٨٠): "ضعيف"، انظر تهذيب التهذيب (١/ ١٨٠). كما رواه البيهقي في السُّنن الكُبرى (٥/ ٢٧) بإسناده إلى محمد بن عبد الله بن الحكم []، عن عبد الله بن وهب، ورواه الإمام أحمد (٣/ ٣٦٦) عن الحسن، كلاهما عن ابن لهيعة، عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "ومُهَلُّ العِراق من ذات عِرقٍ"، قال الإمام البيهقي عقب الحديث: "والصحيح رواية ابن جريج، ويحتمل أن يكون جابر سمع عمر بن الخطاب ﵁ يقول ذلك في مهل أهل العراق". قلت: يريد الإمام البيهقي برواية ابن جريج الروايةَ التي أخرجها المصنف أبو عوانة وتمَّ تخريجها آنفًا، وليس فيها تنصيصٌ بسماع جابر ﵁ عن النبي ﷺ، ورواية ابن لهيعة الأولى وإن كانت من طريق أحد العبادلة عنه إلا أنها لا تنهض لدفعِ رواية ابن جريج المخرَّجة في الصحيح لضعف ابن لهيعة، فيحتمل أن جابرًا ﵁ سمع غيره من الصحابة عن النَّبيِّ ﷺ، ولهذا قال الإمام الشافعي (الأم ٢/ ١٣٧، معرفة السنن والآثار ٣/ ٣٥٠): "لم يُسَمِّ جابر بن عبد الله النَّبِيّ ﷺ، وقد يجوز أن يكون سمع عمر بن الخطاب، فإنَّ ابن سيرين، يروي عن عمر بن الخطاب أنه وقَّت لأهل المشرق ذاتَ عِرقٍ، ويجوز أن يكون سمع غير عمر من أصحاب النَّبِيّ ﷺ". ⦗٨٦⦘ = وقال الإمام ابن خزيمة في صحيحه (٤/ ١٥٩): "قد روي في ذات عرق أنه ميقات أهل العراق أخبار غير خبر ابن جريج، لا يثبت عند أهل الحديث شيء منها، قد خرَّجتُها كُلَّها في كتاب الكبير". وقال الإمام الخطابي في شرحه على أبي داود (معالم السُّنن (٢/ ١٤٨) في معرض كلامه على ذات عرق: "والصحيح منه أن عمر بن الخطَّاب وقَّتها لأهل العراق بعد أن فتحت العراق، وكان ذلك في التقدير على موازاة قرن لأهل نجدٍ … ". قلت: مهما يكُن فالحديث له حكمُ الرَّفع، لأنه ليس مما يقال من جهة الرأي، سواء كان الذي سمع منه جابرٌ ﵁ عمرَ ﵁ أو غيرَه، أما ما رواه البخاري في صحيحه (صحيح البخاري مع فتح الباري ٣/ ٣٨٩)، بسند متصل عن ابن عمر ﵄ أنه قال: "لما فتح هذان المصران أتوا عمر، فقالوا: يا أمير المؤمنين! إن رسول الله ﷺ حدَّ لأهل نجد قرنًا، وهو جورٌ عن طريقنا، وإنا إن أردنا قرنًا سبق علينا، قال: فانظروا حذوها من طريقكم، فحدّ لهم ذاتَ عرق"، فيدُلَّ على أن النَّبيِّ ﷺ لم يحدّ ذات عرق لأهل العراق. قال ابن حجر عقب ذكره هذا الأثر (فتح الباري ٣/ ٣٨٩)،: "وظاهره أن عمر حد لهم ذات عرق باجتهاد منه، وقد روى الشافعي من طريق أبي الشعثاء قال: "لم يُوقّت رسول الله ﷺ لأهل المشرق شيئًا، فاتخذ الناس بحيال قرن ذات عرق"، وروى أحمد عن هشيم عن يحيى بن سعيد وغيره عن نافع عن ابن عمر، فذكر حديث المواقيت، وزاد فيه قال ابن عمر: فآثر الناس ذات عرق على قرن، وله عن سفيان عن صدقة عن ابن عمر، فذكر حديث المواقيت قال: فقال له قائل: فأين العراق فقال ابن عمر: "لم يكن يومئذ عراق"، وسيأتي في الإعتصام من طريق عبد الله بن دينار عن بن عمر قال: "لم يكن عراق يومئذ"، ووقع في غرائب مالكٍ للدارقطنيّ من طريق عبد الرزاق، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر قال: "وقّتَ = ⦗٨٧⦘ = رسول الله ﷺ لأهل العراق قرنًا"، قال عبد الرزاق: قال لي بعضهم: إن مالكًا محاه من كتابه، قال الدارقطني: "تفرد به عبد الرزاق، قلتُ (كلام الحافظ ابن حجر مستمر): "والإسناد إليه ثقات أثبات، وأخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده عنه وهو غريب جدًّا، وحديث الباب يرده وروى الشافعي من طريق طاوس قال لم يوقّت رسول الله ﷺ ذات عرقٍ، ولم يكن حينئذ أهل المشرق"، وقال في الأم: "لم يثبت عن النَّبي ﷺ أنه حدّ ذات عرقٍ، وإنما أجمع عليه الناس"، وهذا كله يدل على أن ميقات ذات عرقٍ ليس منصوصًا، وبه قطع الغزالي والرافعي في شرح المسند والنووي في شرح مسلم، وكذا وقع في المدونة لمالك، وصحَّح الحنفية والحنابلة وجمهور الشافعية والرافعي في الشرح الصغير والنووي في شرح المهذب أنه منصوص، وقد وقع ذلك في حديث جابر عند مسلم إلا أنه مشكوكٌ في رفعه" اهـ كلام ابن حجر. قلت: ويؤيد قول من قال بمنصوصية ذات عرق ما رواه أبو داود السِّجستاني (السنن ص ٢٠٤، ح ١٧٣٩) والنسائي (الصغرى ص ٤١٥، ح ٢٦٥٦، الكبرى ٢/ ٣٢٨)، والدارقطني (السنن ٢/ ٢٣٦) والبيهقي (السنن الكبرى ٥/ ٢٨)، وابن عدي (الكامل ١/ ٤١٧) كلهم من طرق عن المُعافى بن عمران، عن أفلح ابن حُميد، عن القاسم عن عائشة ﵁ قالت: وقَّت رسول الله ﷺ لأهل المدينة ذا الحُليفة، ولأهل الشام ومصر الجُحفة، ولأهلِ العراق ذات عِرقٍ، ولأهل نجدٍ قرنًا، ولأهل اليمن يَلَملم". قلت: وإسناده صحيح كما ابن الملقن (خلاصة البدر المنير ١/ ٣٥٠)، وغيره من أهل العلم. وقال ابن عدي عقب إخراجه: "قال لنا ابن صاعد: كان أحمد بن حنبل ينكر هذا الحديث مع غيره على أفلح بن حميد، فقيل له: يروى عنه غير المعافى؟ فقال: المعافى بن عمران ثقة، قال الشيخ: وأفلح بن حميد أشهر من ذاك، وقد حدث عنه = ⦗٨٨⦘ = ثقات الناس مثل ابن أبي زائدة وكيع وابن وهب وآخرهم القعنبي، وهو عندي صالح، وأحاديثه أرجو أن تكون مستقيمة كلها، وهذا الحديث يتفرد به معافى عنه، قال الشيخ وإنكار أحمد على أفلح في هذا الحديث قولُه: "ولأهل العراق ذات عرق" ولم ينكر الباقي من إسناده ومتنه شيئًا". قال الشيخ الألباني في الإرواء (٤/ ١٧٧): "قلت: ولا وجه عندي لهذا الإنكار أصلًا، فإن أفلح بن حميد ثقة اتفاقًا، واحتج به الشيخان جميعًا، فلو روى ما لم يروه غيره من الثقات لم يكن حديثه منكرًا ولا شاذًّا .. فهذا الحديث عن عائشة تفرد به القاسم بن محمد عنها فلم يكن شاذًّا لأنه لم يخالف فيه الناس، وتفرد به أفلح بن حميد عنه فلم يكن شاذًّا كذلك ولا فرق، فكيف والحديث له شواهد تدل على حفظه وضبطه؟ ". ثم ذكر الشيخ الألباني ﵀ شواهد للحديث المذكور، منها حديث أخرجه أبو نعيم في الحلية (٤/ ٩٤) بإسناده إلى جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران، عن ابن عمر قال: وقَّت رسول الله ﷺ لأهل المدينة ذا الحليفة" وفيه: "قال ابن عمر: وحدثني أصحابنا أن رسول الله ﷺ وقت لأهل العراق ذات عرق"، قال أبو نعيم عقب إخراجه: هذا حديث صحيح ثابت من حديث ميمون لم نكتبه إلا من حديث جعفر عنه"، ثم أشار الشيخ الألباني إلى أن الطحاوي أخرجه من الوجه نفسه (شرح معاني الآثار ١/ ٣٦٠) وفي لفظه: "لأهل المشرق ذات عرق"، قال الطحاوي: "فهذا ابن عمر يخبر أن الناس قد قالوا ذلك، ولا يريد ابن عمر من الناس إلا أهل الحجة والعلم بالسنة، ومحال أن يكونوا قالوا ذلك بآرائهم لأن هذا ليس مما يقال من جهة الرأي، ولكنهم قالوا بما أوقفهم عليه ﷺ " ثم ذكر الشيخ الألباني متابعا آخر أخرجه الإمام أحمد (٢/ ٧٨) بإسناد صحيح موصول على شرط مسلم عن محمد بن جعفر عن شعبة، عن صدقة بن يسار، عن ابن عمر = ⦗٨٩⦘ = يحدث عن رسول الله ﷺ "أنه وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرنًا، ولأهل العراق ذات عرق، ولأهل اليمين يلملم". قلت: وعلى هذا فالصحيح ثبوتُ ميقات أهل العراق عن النبي ﷺ من حديث عائشة وحديث ابن عمر ﵄، أما الأحاديث التي تنص على أن عمر هو الذي حدد ذات عرق، فيجمع بينها وبين حديثي عائشة وابن عمر ﵄ بأن النبي ﷺ لعله لم يوقت هذا الميقات مع المواقيت الأخرى، بل تأخر توقيته إياه قبل وفاته، فلم يظهر ولم يشتهر كغيره من المواقيت، ولهذا اجتهد لهم عمر ﵁ فوافق اجتهاده ما نقل عنه ﷺ وهو حقيق وجدير بالإصابة، وإصاباته مشهورة ومعروفة فقد كان من المحدَّثين. قال الإمام القُرطُبيُّ (المُفهِم لما أشكل من تلخيص مُسلم ٣/ ٢٦٣) عقب إيراده حديث عائشة المتقدم: "فجزم بالرواية، وهو صحيح، ولا يُستبعدُ هذا بأن يُقال: بأن العراق إذ ذاك لم يكنْ فُتح، فإنَّ النَّبِيّ ﷺ علم أنها ستُفتح، وسَيُحَجُّ منها فأعلم بذلك الميقات" وبهذا يجمع بين الأحاديث الصحيحة الثابتة. من فوائد الاستخراج: فيه علوّ نسبي: المساواة بين المصنِّف ومسلم في عدد رجال الإسناد.