للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٣٦٥٥ - حدثنا يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني جرير بن حَازم (١)، بإسناده إلى قوله: حلالًا (٢) (٣).


(١) موضع الالتقاء مع مسلم، انظر تخريج ح / ٣٦٥٤.
(٢) أخرجه الإمام الطَّحَاويّ في شرح معاني الآثار (٢/ ٢٧٠)، وشرح مشكل الآثار (١٤/ ٥١٤) عن يونس، عن ابن وهب به، وانظر ح / ٣٦٥٤.
(٣) أورد أبو عوانة في هذا الباب أحاديث متعارضة، ففي أول الباب أورد طرق حديث ابن عباس الذي يثبت أن النَّبِيّ تَزوَّج مَيْمُونَة وهو محرم، وأورد في آخر الباب طريقين لحديث ميمونة ()، والذي يُثبت زواج النَّبِيّ من ميمونة وهما حلالان، وكلا الحديثين صحيحان مخرَّجان في الصِّحاح كما تبين من تخريجهما في هذا الباب، مع التَّنبيه لمعارضة حديث ابن عبَّاسٍ أيضًا لحِديثِ أبان بن عثمان الذي تَقدَّم في باب بيان خطبة التزويج في الإحرام.
قال الحافظُ ابن حجر: "وقد صَحَّ نحوه (أي نحو حديث ابن عبَّاسٍ) عن =
⦗١٩٥⦘ = أبي هريرةَ وعائشةَ".
ولهذا سلك العلماءُ مَسْلكين تِجاه هذين الحديثين:
أوَّلًا: مَسْلَكُ الجَمْع، واختلفوا في كيْفيَّة الجَمْع إلى عدَّة أقوال:
• القولُ الأوَّل: يحمل قول ابن عباس في روايته "وهو مُحْرِم" أي تزوَّجها في الشَّهر الحرام أو في البلد الحرام.
قال الإمام ابنُ حِبَّان: "وليس في هذه الأخبار تعارض، ولا أن ابن عبَّاس وهِم، لأنه أحفظ وأعلم من غيره، ولكن عندي أن معنى قوله: تزوج وهو محرم، أي داخل الحرم، كما يقال: أنجد، وأتهم، إذا دخل نجدًا، وتهامة، وذلك أن النَّبِيّ عزم على الخروج إلى مكة في عمرة القضاء، فبعث من المدينة أبا رافع، ورجلًا من الأنصار إلى مكة ليخطبا ميمونة له، ثم خرج وأحرم، فلما دخل مكة طاف وسعى وحلَّ من عمرته، وتزوج بها، وأقام بمكة ثلاثًا، ثم سأله أهل مكة الخروج، فخرج حتى بلغ سرف، فبنى بها، وهما حلالان، فحكى ابن عباس نفس العقد، وحكت ميمونة عن نفسها القصة على وجهها، وهكذا أخبر أبو رافع، وكان الرسول بينهما، فدل ذلك -مع نهيه عن نكاح المحرم وإنكاحه على صحة ما ادعيناه". أ. هـ.
• القول الثاني: يحمل حديث ابن عباس على أن النَّبيِّ تزوجها وهو حلال غير مُحرم، ثم أظهر أمر زواجه بها وهو مُحرم، على حدّ قول الشاعر:
قَتَلُوا ابن عَفَّان الحليفة محرمًا.
• القول الثَّالِث: يُحمل حديث ابن عباس بناء على ما كان يراه ابن عباس أن من قلد الهدي يصير محرمًا، والنَّبِيُّ كان قلَّد الهدي في عُمْرَته تلك التي تَزوَّج فيها مَيْمُونة، فيكون إطلاقه أنه تزوَّجها وهو محرم: أي عقد عليها بعد أن قلد الهدي وإن لم يكن تلبس بالإحرام، وذلك أنه كان أرسل إليها أبا رافع يخطبها، فجعلت =
⦗١٩٦⦘ = أمرها إلى العباس فزوَّجها النَّبِيّ .
ثانيًا: مسلك التَّرجيح، وأهلُ هذا المَسْلك انقسموا إلى طائفتين:
الطَّائفة الأولى: رجَّحت حديث ابن عبَّاس، ثم من هذه الطائفة من أجاز نكاح المحرم لهذا الحديث، ومنهم من حرّم نكاح المحرم وأوَّلوا حديث ابن عبَّاسٍ على أنه خاصٌّ بالنَّبِيّ ، وجمعوا بين هذا الحديث وبين حديث أبان بن عثمان عن أبيه عثمان : أن رسول الله قال: "لا يَنْكِحُ المحرم، ولا يُنْكِح، ولا يَخْطب"، أن حديث عثمان تقعيد قاعدة، وحديث ابن عباس واقعة عين تحتمل أنواعًا من الاحتمالات، منها الخصوصية، ورجحت هذه الطائفة حديث ابن عباس للأسباب التالية:
• السَّبب الأول: أن ابن عباس أحفظ وأعلم من غيره، وحديثه أقوى سندًا، من حديث ميمونة ، وقد رواه أئمة أعلام، أما حديث ميمونة فتعارضت الأخبار فيه، ولا يخلو من علل، وروى الطحاوي بسنده عن عمرو بن دينار، أنه قال للزهري: "وما يدري ابن الأصم، أعرابي بوال على عقبيه، أتجعله مثل ابن عباس".
• السَّبب الثاني: أن حديث ابن عباس جاء مثله صحيحًا عن عائشة وأبي هريرة .
• السَّبب الثالث: فتوى بعض الصَّحابة على جواز نكاح المحرم، كما ثبت ذلك عن أنس ، فيما رواه الطَّحاوي بإسناده عنه.
ويضاف إلى ذلك كون حديث ابن عباس اتَّفَق الشَيْخَانِ على إخراجه.
الطائفة الثانية: رجحت حديث ميمونة على حديث ابن عباسٍ؛ لأن أكثر الصحابة رووا أن النَّبِيّ تزوَّجها حلالًا، رواه أبو رافع وميمونة وغيرهما وهم أعرف بالقِصَّة لتعلُّقِهم به، =
⦗١٩٧⦘ = بخلاف ابن عبَّاس ولأنَّهم أضبط من ابن عباس وأكثر، هكذا قال النَّووي.
فقد كانت ميمونة أخْبرُ بحال نفسه لأنها وقعت عليها الزواج، وأبو رافع أعلم بالحالة تلك؛ لأنه كان الرسول بين النَّبِيّ وبين ميمونة.
قال ابن عبد البر في "الاستذكار: "فأما تزويج رسول الله ميمونة فقد اختلفت فيه الآثار المسندة، واختلف في ذلك أهلُ السير والعلم في الأخبار، وأن الآثار في أن رسول الله تزوجها حلالًا أتتْ متواترة من طرق شتَّى، عن أبي رافع مولى النَّبِيّ ، وسليمان بن يسار وهو مولاها، ويزيد الأصم وهو ابن أختها، وهو قول سعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، وأبي بكر بن عبد الرحمن، وابن شهاب، وجمهور علماء المدينة، أن النَّبِيّ تَزوَّجها وهو حلال، وما أعلم أحدًا من الصحابة روى عنه أنه نكح ميمونة وهو محرم إلا ابن عباس، وحديثه بذلك صحيح ثابت إلا أن يكون معارضًا مع رواية غيره فيسقط الاحتجاج بكلام الطائفتين وتطلب الحُجَّة من غير قصة ميمونة، وإذا كان كذلك فإن عثمان بن عفان قد روى عن النَّبِيّ أنه نهى عن نكاح المحرم ولا معارض له. ا. هـ.
وقال في التَّمهيد: "والقَلْبُ إلى رواية الجماعة أميلُ، لأنَّ الواحدَ أقربُ إلى الغلط".
وروى أبو داود في -كتاب الحج -باب المحرم يتزوج- أن سعيد بن المسيب قال: "وَهِم ابن عباس في قوله: تزوج ميمونة وهو محرم".
قلتُ: والقلبُ يميل إلى جمع الإمام الناقد ابن حبَّان ؛ لأنَّ الأخذ بقولٍ آخر غير قوله يلزم منه إسقاط أحد الحديثين المخرَّجين في الصِّحاح، فحديثُ ابن عباس اتفق الشيخان على إخراجه كما تقدم، وحديث يزيد بن الأصمّ أخرجه مسلم، والمَصِير في هذه الحالة إلى الجمع أولى ما دام الجمع ممكنًا؛ لأن التَّجاسر =
⦗١٩٨⦘ = على حديثٍ في الصحيحين أو أحدهما ليس سهْلًا.
انظر: سُنن أبي داود (ص ٢١٤)، شَرْح مَعَاني الآثار للطَّحاوي (٢/ ٢٧٠ - ٢٧٣)، شرح مشكل الآثار (١٤/ ٥١٢ - ٥٢١)، التَّمهيد لابن عبد البر (٣/ ١٥٣)، الاستذكار (٤/ ١١٧ - ١١٩)، شرح مسلم للنووي (٩/ ١٩٧)، نصب الراية للزيلعي (٣/ ١٧٣ - ١٧٤)، فتح الباري لابن حجر (٤/ ٦٢) (٩/ ٧٠ - ٧١).