للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٩٧ - حَدثنا علي بن حَرب، حدثنا وكيع، وأبو مُعاويةَ (١)، عن

⦗٢٠٨⦘ الأعمش عَن إبراهيم (٢)، عن علقمة (٣)، عَن عبد الله قال: قال رسولُ الله : "مَن ماتَ لا يُشرك باللهِ شيئًا دخل الجنَّة". وقلتُ أنا: "مَن ماتَ يُشرك بالله شَيئًا دَخَل النَّار" (٤).

⦗٢١٢⦘ هذا لفظُ أبي مُعاوية.


(١) محمد بن خازم الضرير.
(٢) ابن يزيد بن قيس النخعي الكوفي.
(٣) ابن قيس بن مالك النخعي الكوفي.
(٤) أخرجه البخاري في مواضع من صحيحه منها في: كتاب الجنائز -بابٌ في الجنائز ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله (الفتح ٣/ ١٣٣ ح ١٢٣٨).
وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان -باب من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة، ومن مات مشركًا دخل النار (١/ ٩٤ ح ١٥٠) كلاهما من طريق الأعمش حدثنا شقيق عن عبد الله بن مسعود به.
ولفظهما: "قال: قال رسول الله : "من مات يُشرك بالله شيئًا دخل النار" وقلت أنا: ومن مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة". أى جعل عبارة الوعيد هي المرفوعة، وعبارة الوعد موقوفة، بخلاف رواية المصنِّف هنا!
قال النووي رحمه الله تعالى عن لفظ مسلم: "هكذا وقع في أصولنا من صحيح مسلم، وكذا هو في صحيح البخاري، وكذا ذكره القاضي عياض في روايته لصحيح مسلم، ووجد في بعض الأصول المعتمدة من صحيح مسلم عكس هذا "قال: قال رسول الله : من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة، قلت أنا: ومن مات يُشرك بالله شيئًا دخل النار". وهكذا ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين عن صحيح مسلم، وقد صحَّ اللفظان من كلام رسول الله في حديث جابر المذكور -أي: الذي سيأتي بعد هذا الحديث- فأما اقتصار ابن مسعود على رفع إحدى اللفظتين وضمه الأخرى إليها من كلام نفسه فقال القاضي عياض وغيره: "سببه أنه لم يسمع من النبي إلا إحداهما وضم إليها الأخرى لما علمه من =
⦗٢٠٩⦘ = كتاب الله تعالى ووحيه، أو أخذه من مقتضى ما سمعه من النبي ". وهذا الذي قاله هؤلاء فيه نقص من حيث إنَّ اللفظتين قد صحَّ رفعهما من حديث ابن مسعود كما ذكرناه، فالجيِّد أن يقال: سمع ابن مسعودٍ اللفظتين من النبي ولكنه في وقتٍ حفظ إحداهما وتيقَّنها عن النبي ولم يحفظ الأخرى، فرفع المحفوظة وضم الأخرى إليها، وفي وقت آخر حفظ الأخرى ولم يحفظ الأولى مرفوعة، فرفع المحفوظة وضم الأخرى إليها، فهذا جمعٌ ظاهرٌ بين روايتي ابن مسعود، وفيه موافقة لرواية غيره في رفع اللفظتين، والله أعلم". شرح صحيح مسلم للنووي (٢/ ٩٦ - ٩٧).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: "لم تختلف الروايات في الصحيحين في أن المرفوع الوعيد والموقوف الوعد، وزعم الحميدي في "الجمع" وتبعه مغلطاي في "شرحه"، ومن أخذ عنه أن في رواية مسلم من طريق وكيع وابن نمير بالعكس بلفظ: "من مات لا يُشرك بالله شيئًا دخل الجنة، وقلت أنا: من مات يشرك بالله شيئًا دخل النار" وكأن سبب الوهم في ذلك ما وقع عند أبي عوانة والإسماعيلي من طريق وكيع بالعكس، لكن بيَّن الإسماعيلي أن المحفوظ عن وكيع كما في البخاري قال: وإنما المحفوظ أن الذي قلبه أبو عوانة وحده، وبذلك جزم ابن خزيمة في صحيحه والصواب رواية الجماعة، وكذلك أخرجه أحمد من طريق عاصم، وابن خزيمة من طريق سيار، وابن حبان من طريق المغيرة كلهم عن شقيق، وهذا هو الذي يقتضيه النظر؛ لأن جانب الوعيد ثابت في القرآن، وجاءت السنة على وفقه فلا يحتاج إلى استنباط، بخلاف جانب الوعد فإنه محل البحث إذ لا يصح حمله على ظاهره كما تقدم، وكأن ابن مسعود لم يبلغه حديث جابر الذي أخرجه مسلم بلفظ: "قيل: يا رسول الله ما الموجبتان؟ قال: من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة، ومن مات يشرك به شيئًا دخل النار".
تنبيه:
وقع في "الفتح"المطبوع أن الذي قلبه "أبو عوانة" وحده، وأشار المحقق في الحاشية =
⦗٢١٠⦘ = إلى أنه في نسخة "أبو معاوية" بدل "أبي عوانة" وهو الصواب، ويؤيِّده أنه هو الذي جزم به ابن خزيمة في التوحيد (٢/ ٨٥ ح ٥٦٥).
ثم نقل الحافظ جمع النووي بين الروايتين وقال معقِّبًا: "وهذ الذى قاله محتمل بلا شك، لكن فيه بعد مع اتحاد مخرج الحديث، فلو تعدد مخرجه إلى ابن مسعود لكان احتمالًا قريبًا مع أنه يُستغرب من انفراد راوٍ بذلك دون رفقته وشيخهم ومن فوقه، فنسبة السهو إلى شخصٍ ليس بمعصوم أولى من هذا التعسف". فتح الباري (٣/ ١٣٤).
على هذا فالإمام النووي رحمه الله تعالى يرى أن اللفظين مرفوعان إلى النبي من حديث ابن مسعود، والحافظ ابن حجر يرى أن أبا عوانة -أو أبا معاوية- قد سها فقلب المرفوع موقوفًا، والموقوف مرفوعًا، وأن الصواب لفظ الصحيحين.
فالنووي رحمه الله تعالى بنى جمعه بين الروايتين على لفظ اللفظ الآخر في بعض النسخ المعتمدة من صحيح مسلم كما ذكره الحميدي، وعلى رواية أبي عوانة … فَيَرِدُ على جمعه أن ما ذكره الحميدى ناشئ عن وهم -كما سبق نقله عن الحافظ ابن حجر- فلا يتَّجه ذلك الجمع.
والحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- رجَّح لفظ الصحيحين لأن الإسماعيلي بيَّن أن المحفوظ عن وكيع كما في رواية البخاري، فيكون على هذا: الذي قلب الحديث هو أبو معاوية -وليس أبو عوانة- قرين وكيع في الرواية عن الأعمش.
ويؤيد هذا أن الإمام أحمد رحمه الله تعالى رواه من طريق أبي معاوية عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله بلفظ أبي عوانة "المسند" (١/ ٣٨٢)، ورواه من طريق ابن نمير عن الأعمش به بلفظ الصحيحين (المسند: ١/ ٤٢٥)، وقد سبق النقل عن الإسماعيلي أن المحفوظ عن وكيع كما في رواية البخاري، فيبقى على هذا أبو معاوية متفردًا بهذه المخالفة، ويؤيده أيضًا أن أبا عوانة كأنه أشار إلى هذه المخالفة بقوله في =
⦗٢١١⦘ = نهاية الحديث: "هذا لفظ أبي معاوية".
ثم وجدت ابن منده أخرجه في كتاب "الإيمان" (١/ ٢١٣) من طريق أبي معاوية عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله بلفظ الصحيحين؟! فإن صحَّ هذا فيُحمل على أن أبا معاوية كان يرويه مرة على الوجه الصحيح ومرة يقلبه، والله أعلم، وقد سبق -في ح (٦٩) أن أبا معاوية كان يضطرب، ولكن في غير حديث الأعمش، فلعله اضطرب هذه المرة في حديث الأعمش، والله أعلم ..
بقيت نقطة لم أجد أحدًا أشار إليها، وهي اختلاف مخرج الحديث عن ابن مسعود ، ففي جميع مصادر التخريج: "الأعمش عن شقيق عن ابن مسعود"، وإلى اتحاد مخرج الحديث أشار الحافظ ابن حجر في كلامه -السابق نقله- الذي تعقَّب به جمع النووي حيث قال: "لكن فيه بعدٌ مع اتحاد مخرج الحديث، فلو تعدد مخرجه إلى ابن مسعود لكان احتمالًا قريبًا مع أنه يُستغرب من انفراد راوٍ من الرواة … " إلخ كلامه، وإسناد المصنِّف: "الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله"، ولم أجده بهذا الإسناد في أي موضع آخر، ولم يشير إليه النووي أو الحميدي أو غيرهما، وأظنُّ -والعلم عند الله تعالى- أن في إسناد أبي عوانة خطأ، وأن الصواب: "وكيع وأبي معاوية عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله بن مسعود" لكن رواه وكيع بلفظ الصحيحين، وأخطأ فيه أبو معاوية حيث جعل المرفوع موقوفًا والموقوف مرفوعًا.
وأما من حيث جعل الإسناد: "الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود"، وقد أخرجه الإمام أحمد عن أبي معاوية عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله كما سبق فيحتمل أن يكون خطأ من بعض الرواة دون الأعمش أو يكون لأبي معاوية في هذا الحديث طريقان أحدهما طريق الأعمش عن إبراهيم عن عبد الله، والآخر طريق الأعمش عن شقيق عن عبد الله، ولكن أستبعد هذا الاحتمال الأخير لأني لم أجد أحدًا أخرجه بهذا الإسناد الذي ذكره المصنِّف، والله أعلم. =
⦗٢١٢⦘ = فائدة الاستخراج:
بالمقارنة مع رواية مسلم: رواية المصنِّف بيَّنت أن هناك اختلافًا بين رواة الحديث في رفع بعضه ووقف بعضه.