للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٢٨٩ - حدثنا أبو دَاودَ الحرانيُّ، حدثنا مُسْلم (١)، حدثنا

⦗٤٤٨⦘ أبو عَوانة (٢)، عن عطاء بن السَّائبِ بِمثلِهِ (٣).


(١) ابن إبراهيم الأزدي الفراهيدي، أبو عمرو البصري.
(٢) الوَضَّاح -بتشديد المعجمة ثم مهملة- بن عبد الله اليشكري الواسطي. التقريب (٧٤٠٧).
وقد سبق في الحديث السابق أنه ممن سمع من عطاء قبل الاختلاط وبعده ولم يميِّز ذلك.
(٣) أخرجه ابن الجوزي في نواسخ القرآن (ص: ٢٢٨) من الطريق نفسه (من طريق عفان بن مسلم عن أبي عوانة الوضاح اليشكري عن عطاء به).
وأخرجه أيضًا في نفس الموضع من طريق عكرمة عن سعيد بن جبير به.
وأخرجه الإمام أحمد في المسند (١/ ٣٣٢) من طريق حميد الأعرج عن مجاهد عن سعيد بن جبير عن ابن عباسٍ به، وقال في آخره: "فتُجُوِّزَ لهم في حديث النفس، وأُخذوا بالأعمال".
وأخرج البخاري في صحيحه -كتاب التفسير -باب: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ﴾ (الفتح ٨/ ٥٤ ح ٤٥٤٦) من حديث ابن عمر أنه قال في قوله تعالى: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا في أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ﴾: نسختها الآية التي بعدها.
تنبيهان:
الأول: رواية ابن عباس هذه تُشير إلى نسخ قوله تعالى: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا في أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾ بقوله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا. . .﴾، وصرَّح بلفظ النسخ في طريق مجاهد الذي أخرجه الإمام أحمد كما سبق تخريجه، وفي الآية أقوال من حيث نسخها وعدمه كما يلي:
١ - القول بالنسخ: وهو مرويٌّ -أي القول بالنسخ- عن علي بن أبي طالب، وأبي هريرة، وابن مسعود، وابن عمر، وعائشة أم المؤمنين ، وسعيد بن جبير، والشعبي، ومجاهد، وعكرمة، وقتادة وغيرهم.
٢ - أنها لم تنسخ، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله في الآية: "إنها لم تنسخ، ولكن الله ﷿ إذا جمع الخلائق يوم القيامة، يقول الله ﷿: إني =
⦗٤٤٩⦘ = أخبركم بما أخفيتم في أنفسكم مما لم تطلع عليه ملائكتي، فأما المؤمنون فيخبرهم ويغفر لهم ما حدَّثوا به أنفسهم، وهو قوله: ﴿يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾ يقول: يخبركم، وأما أهل الشك والريب فيخبرهم بما أخفوا من التكذيب، وهو قوله: ﴿فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ﴾ وهو قوله: ﴿وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٥]، من الشك والنفاق".
وهو مروي عن الحسن البصري، والضحاك، والربيع بن أنس وغيرهم.
٣ - أنها نزلت في كتمان الشهادة، ففي رواية عن ابن عباسٍ أيضًا أنها نزلت في كتمان الشهادة أي أنها متعلقة بالآية التي قبلها، وهو قوله تعالى: ﴿وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾ [البقرة: ٢٨٣].
٤ - وفي رواية عن مجاهد أنه قال في معنى الآية: " ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا في أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ﴾ من الشك واليقين ﴿يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾ ".
أخرج هذه الآثار:
أبو عبيد القاسم بن سلام في "الناسخ والمنسوخ" (ص: ٢٧٤ - ٢٧٩)، وابن جرير الطبري في "تفسيره" (٣/ ١٩٢ - ٢٠٣)، وأبو جعفر النحاس في "الناسخ والمنسوخ" (ص: ١١٨ - ١٢٤)، وابن الجوزي في "نواسخ القرآن" (ص: ٢٢٥ - ٢٣٥).
وتبعًا لاختلاف هذه الآثار اختلف المفسِّرون فذهب بعضهم إلى أن الآية منسوخة، وذهب البعض إلى أنها محكمة.
وممن ذهب من المفسرين إلى أنها محكمة غير منسوخة: ابن جرير الطبري، وأبو جعفر النحاس، ومكي بن أبي طالب القيسي، وابن الجوزي، وابن عطية الأندلسي، والقرطبي وغيرهم.
وذهب آخرون إلى أنها منسوخة منهم: ابن حزم، والشوكاني. =
⦗٤٥٠⦘ = ويفهم من كلام ابن حجر أنه مال إلى أنها منسوخة وإن لم يصرِّح بذلك، حيث قال: "والمراد بقوله: نسختها، أي أزالت ما تضمنته من الشدة، وبينت أنه وإن وقعت المحاسبة به لكنها لا تقع المؤاخذة به، أشار إلى ذلك الطبري فرارًا من إثبات دخول النسخ في الأخبار، وأجيب بأنه وإن كان خبرًا لكنه يتضمن حكمًا، ومهما كان من الأخبار يتضمن الأحكام أمكن دخول النسخ فيه كسائر الأحكام، وإنما الذي لا يدخله النسخ من الأخبار ما كان خبرًا محضًا لا يتضمن حكمًا كالأخبار عمن مضى من أحاديث الأمم ونحو ذلك، ويحتمل أن يكون المراد بالنسخ في الحديث: التخصيص؛ فإن المتقدمين يطلقون لفظ النسخ عليه كثيرًا". الفتح (٨/ ٥٥).
انظر للاستزادة حول هذه المسألة: المصادر التي خرَّجت الآثار السابقة، والإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه لمكي بن أبي طالب (ص: ٢٠٠)، الناسخ والمنسوخ لابن حزم (ص: ٣٠)، المحرر الوجيز لابن عطية (٢/ ٣٨٣)، زاد المسير لابن الجوزي (١/ ٢٩٤)، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (٣/ ٤٢٠ - ٤٢٤)، مجموع الفتاوى لابن تيمية (١٤/ ١٠١ - ١١٢)، فتح الباري لابن حجر (٨/ ٥٥)، والشوكاني في فتح القدير (١/ ٣٠٥).
الثاني: ما ورد عن ابن عباسٍ من قوله في الآية أنها لم تنسخ، ورد من طريق علي بن أبي طلحة عنه، وهذه الطريق من الطرق الجيدة عن ابن عباس في التفسير، كما قرَّره الحافظ ابن حجر، وتبعه السيوطي. وأسهب الدكتور حكمت بشير -في مقالةٍ له- في الكلام على هذه الطريق، وحكم على هذا الإسناد بالحسن، وذكر هناك أن الحكم صحح مثل هذا الإسناد ووافقه الذهبي.
انظر: الإتقان في علوم القرآن للسيوطي (٤/ ٢٠٧)، مجلة الجامعة الإسلامية -العددان (١٠١ - ١٠٢) من السنة (٢٦) مقالة بعنوان: "التفسير الصحيح" للدكتور حكمت بشير ياسين (ص: ٥٢ - ٥٤).
وهذا الإسناد وإن كان حسنًا لكنه لا ينتهض لمعارضة رواية صحيح مسلم، فما ورد =
⦗٤٥١⦘ = في صحيح مسلمٍ -وعند المصنِّف تبعًا له- عن ابن عباسٍ من أن الآية منسوخة أولى من رواية علي بن أبي طلحة التي جاء فيها عن ابن عباس أنه قال في الآية أنها لم تنسخ، هذا إذا جُعِل النسخ على ظاهره أما إذا حمُل النسخ على التخصيص -كما تقدَّم في توجيه الحافظ- فلا تعارض، والله أعلم.