للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٧١٦٧ - أخبرنا محمد بن يحيى (١)، فيما قرئ عليه، قال: حدثنا عبد الرزاق (٢) ح،

وحدثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري، قال: قرأنا على عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهريّ، قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، أن أبا سفيان أخبره من فيه إلى فيه، قال: انطلقت في المدة التي كانت بيني وبين رسول الله ، قال: فبينما أنا بالشام إذ جيء بكتاب من رسول الله إلى هرقل، [وكان دحية الكلبي (٣) جاء به

⦗٣٤٥⦘ فدفعه إلى عظيم بصرى (٤)، فقرأه، فدفعه عظيم بصرى إلى هرقل، فقال هرقل: هل هاهنا أحد من قوم هذا الرجل الذي يزعم أنّه نبي، قالوا: نعم، قال: فدعيت في نفر من قريش، فدخلنا على هرقل]، (٥)، فأجلسنا بين يديه، ثم قال: أيكم أقرب نسبا من هذا الرجل الذي (٦) يزعم أنه نبي؟ قال أبو سفيان: فقلت: أنا، فأجلسوني بين يديه، وأجلسوا أصحابي خلفي، ثمّ دعا بترجمانه (٧)، فقال: قل [لهم] (٨) إني سائل هذا عن هذا الرجل الذي يزعم أنّه نبي فإن كذَبَني فكذّبوه! قال: أبو سفيان: وأيم الله لولا أن يؤثر علي الكذب لكذبته، ثمّ قال لترجمانه: [سله] (٩) كيف حسبه فيكم؟ قال: قلت: هو فينا ذو حسب، قال: فهل كان من آبائه ملك؟ قلت: لا، قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب

⦗٣٤٦⦘ قبل أن يقول ما قال؟ قال: قلت: لا، قال: من يتبعه أشراف الناس أم ضعفاؤهم؟ قال: قلت: بل ضعفاؤهم، قال: أيزيدون أم ينقصون؟ قال: قلت: لا، بل يزيدون، قال: هل يرتد أحد منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه سخطة (١٠) له؟ قال: قلت: لا، قال: فهل قاتلتموه؟ قلت: نعم، قال: فكيف كان قتالكم إياه؟ قال: قلت: يكون الحرب بيننا وبينه سجالًا (١١)، يُصيب منّا ونُصيب منه، قال: فهل يغدِر؟ قلت: لا، ونحن معه في مدّة (١٢) لا ندري ما هو صانع فيها، قال: فوالله ما أمكنني من كلمة أُدخل فيها شيئًا غير هذه، قال: فهل قال هذا القول أحدٌ قبله؟ قلت: لا، قال: لترجمانه (١٣): إني سألتك عن حسبه فزعمت أنه فيكم ذو حسب، وكذلك الرسل تبعث في أحساب قومها، وسألتك: هل كان في آبائه ملك؛ فزعمت أن لا، فقلت: لو كان من آبائه ملك قلت: رجل يطلب ملك آبائه، وسألتك عن أتباعه أضعفاؤهم أم أشرافهم؟ فقلت: بل ضعفاؤهم (١٤)، وهم أتباع الرسل.

⦗٣٤٧⦘ وسألتك: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فزعمت أن لا، فقد عرفت أَنّه لم يكن ليدع الكذب على النّاس ثمّ يذهب فيكذب على الله، وسألتك هل يرتد أحد منهم عن دينه بعد أن يدخل -يعني فيه- سخطة له؟ فزعمت أن لا، وكذلك الإيمان إذا خالط بشاشة القلوب (١٥). وسألتك: هل يزيدون أم ينقصون، فزعمت أَنّهم يزيدون، وكذلك الإيمان حتى يتمّ. وسألتك: هل قاتلتموه؟ فزعمت أَنكم قاتلتموه فتكون الحرب بينكم سجالًا ينال منكم وتنالون منه، وكذلك الرسل تبتلى ثمّ تكون لها العاقبة. وسألتك: هل يغدر؟ فزعمت أنْ لا، وكذلك الرسل لا تغدر. وسألتك: هل قال هذا القول أحد قبله؟ فزعمت أنْ لا، فقلت: لو كان قال هذا القول أحدٌ قبله قلت: رجلٌ ائْتَمَّ بقولٍ قيلَ قَبْلَه. ثمّ قال: بم يأمركم؟ قال: قلت: يأمرنا بالصلاة والزكاة والصلة والعفاف، قال: إنْ يكن ما تقول فيه حقًّا فإنّه نبيّ، وقد كنت أعلم أنّه خارج ولم أكن أظنّه منكم، ولو أني أعلم أَنّي أخلُص (١٦) إليه لأحببت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه، وليبلغنّ ملكه ما تحت قدمي، قال: ثمّ دعا بكتاب رسول الله فقرأه وإذا فيه: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، من محمد رسول الله إلى هرقلَ

⦗٣٤٨⦘ عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإنّي أدعوك بدعاية (١٧) الإسلام، أَسلِم تسْلَم، وأَسلِم (١٨) يؤتك الله أَجرك مرتين، فإن تولّيتَ فإنّ عليك إثم الأريسيين (١٩) و ﴿قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا

⦗٣٤٩⦘ وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ … ﴾ إلى قوله ﴿مُسْلِمُونَ﴾ (٢٠) فلمّا فرغ من قراءة الكتاب ارتفعت الأصوات عنده وكثر اللَّغَط (٢١)، وأمر بنا فأخرجنا، فقلت لأصحابي حين خرجنا: لقد أَمِرَ أَمر ابن أبي كبشة (٢٢)، إنّه ليخافه ملك بني الأصفر (٢٣)، قال: فما زلت موقنًا بأمر رسول الله أنّه سيظهر حتى أدخل الله عليّ الإسلام.

قال الزهري: فدعا هرقل عظماء الروم، فجمعهم في دار له فقال: يا معشر الروم، هل لكم في الفلاح والرشد آخر الأبد وأنْ يثبت لكم

⦗٣٥٠⦘ ملككم؟ قال: فحاصوا (٢٤) حيصة حمر الوحش إلى الأبواب فوجدوها قد غلقت، فقال: عليّ بهم! فدعاهم، فقال: إنّي إنّما اختبرت شدّتكم على دينكم، فقد رأيت الذي أحببت فسجدوا له ورضوا (٢٥) عنه (٢٦).


(١) الذهلي.
(٢) عبد الرزاق هو موضع الالتقاء مع مسلم.
(٣) هو: دحية بكسر الدال، وقيل بفتحها: ابن خليفة بن فروة الكلبي، صحابي مشهور، كان يضرب به المثل في حسن الصورة، وكان جبريل ينزل على صورته. انظر: =
⦗٣٤٥⦘ = الطبقات الكبرى لابن سعد (١/ ٤٧٣).
(٤) بُصرى: بضم أوله، وإسكان ثانيه، وفتح الراء المهملة: هي مدينة حوران، وهي مدينة معروفة في الشام. انظر: معجم ما استعجم (١/ ٢٥٣).
(٥) من: (ل)، وقد أشير في هامش الأصل إلى وجود هذا السقط.
(٦) نهاية (ل ٥/ ٢١٨ / أ).
(٧) التُرجمان: -بالضم والفتح-: هو الذي يترجم الكلام، أي: ينقله من لغة إلى لغة أخرى. النهاية (١/ ١٨٦).
(٨) في (ك): (له)، والتصويب من: (ل).
(٩) في (ك): (سل) وما أثبته من: (ل).
(١٠) أي: كراهية له وعدم الرضا به. انظر: النهاية (٢/ ٣٥٠).
(١١) أي: مرة لنا ومرة علينا. النهاية (٢/ ٣٤٤).
(١٢) يعني: مدة الهدنة والصلح الذي جرى يوم الحديبية. شرح صحيح مسلم للنووي (١٢/ ١٠٥).
(١٣) في مسلم: (قال لترجمانه قل له).
(١٤) نهاية (ل ٥/ ٢١٨ /ب).
(١٥) بشاشة القلوب: يعني انشراح الصدور. انظر: شرح صحيح مسلم للنووي (١٢/ ١٠٦).
(١٦) أي: أصل إليه. انظر: النهاية (٢/ ٦١).
(١٧) أي بدعوته، وهي كلمة الشهادة التي يدعى إليها أهل الملل الكافرة.
المجموع المغيث (١/ ٦٦١)، وانظر: النهاية (٢/ ١٢٢).
(١٨) نهاية (ل ٥/ ٢١٩ / أ).
(١٩) (الأريسيين) في ضبط هذه الكلمة ومعناها أقوال:
فضبطت على عدة أوجه:
الوجه الأول: فتح الهمزة، وكسر الراء، وبعد السين ياءين، (الأَرِيسيين).
الوجه الثاني: فتح الهمزة، وكسر الراء، وبعد السين ياء واحدة، (الأَرِيسين).
الوجه الثالث: بكسر الهمزة وتشديد الراء، وبياء واحدة بعد السين، (الارَّيسين).
الوجه الرابع: أوله ياء مفتوحة، ثمّ راء مكسورة، وبعد السين ياءين، (اليريسيين) بتسهيل الهمزة.
وأما معناها:
فقيل: هم الملوك الذين يقودون الناس إلى المذاهب الفاسدة ويأمرونهم بها.
وقيل: هم الذين ينسبون إلى عبد الله بن أريس، الذي تنسب إليه الأريسية من النصارى.
وقيل: قوم من المجوس كانوا يعبدون النّار ويحرمون النّار صناعتهم الحراثة، ويخرجون العشر مما يزرعون، لكنهم يأكلون الموقوذة … ، فالمعنى أَنّ عليك مثل إثم الأريسيين.
وقيل: الأكّارون، أي: الفلّاحون والزارعون، والمعنى أنّ عليك إثم رعاياك الذين يتبعونك … ونبه بهم عن بقية الرعايا لأنهم الأغلب والأسرع انقيادًا.
وقد صدر الخطابي غريبه بهذا القول، وقال النووي: هو أصح الأقوال وأشهرها. =
⦗٣٤٩⦘ = انظر: غريب الحديث للخطابي (١/ ٤٩٩ - ٥٠٠) المعلم بفوائد مسلم للمازري (٣/ ٢٢)، النهاية (١/ ٣٨)، شرح صحيح مسلم للنووي (١٢/ ١٠٩ - ١١٠)، فتح الباري (١/ ٥١)، (٨/ ٦٩ - ٧٠).
(٢٠) سورة آل عمران آية (٦٤).
(٢١) اللّغَط: صوت وضجة لا يفهم معناها. النهاية (٤/ ٢٥٧).
(٢٢) قوله (أَمِرَ أمْرُ ابن أبي كبشة): أمِر الأول بفتح الهمزة وكسر الميم، والثاني بفتح الهمزة وسكون الميم، والمعنى عظم وارتفع شأنه، يعني النبي ، قال ابن الأثير: "كان المشركون ينسبون النبي إلى أبي كبشة، وهو رجل من خزاعة خالف قريشًا في عبادة الأوثان، فلمّا خالفهم النبي في عبادة الأوثان شبهوه به، وقيل: إنّه كان جد النبي من قبل أمه فأرادوا أنّه نزع في الشبه إليه". انظر: المجموع المغيث للأصبهاني (١/ ٨٧)، النهاية (٤/ ١٤٤)، لسان العرب (٤/ ٢٩ مادة: أمر)، فتح الباري (٨/ ٧٠).
(٢٣) يعني: الروم. النهاية (٣/ ٣٧).
(٢٤) أي: جالوا جولة يطلبون الفرار … ، قال ابن الأثير: "شبههم بالوحوش لأنّ نفرتها أشدّ من نفرة البهائم الأنسية، وشبههم بالحمر دون غيرها من الوحوش لمناسبة الجهل وعدم الفطنة، بل هم أضل". انظر: النهاية (١/ ٤٦٨)، فتح الباري (١/ ٥٧).
(٢٥) في (ل): (ورضي عنه).
(٢٦) أخرجه مسلم: (كتاب الجهاد والسير -باب كتاب النبي إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام- ح (٧٤)، ٣/ ١٣٩٣ - ١٣٩٧). وأخرجه البخاري: (كتاب التفسير- باب ﴿قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّه﴾ - ح (٤٥٥٣)، (٨/ ٦٢ - ٦٣ فتح).
ولم يخرج مسلم آخر الحديث "قال الزهريّ: فدعا هرقل … إلخ" وقد أخرجه البخاري في صحيحه.
من فوائد الاستخراج:
- الزهريّ يروي الحديث هنا عن عبيد الله بصيغة (أخبرني) وهو عند مسلم بالعنعنة.
- الزيادة الواردة في آخر الحديث.