للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٧١٦٨ - حدثنا أبو داود الحراني، قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد (١)، قال: حدثنا أبي، عن صالح، عن ابن شهاب قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أنّ عبد الله بن عبّاس أخبره أنّ رسول الله كتب إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام، وبعث

⦗٣٥١⦘ بكتابه مع دحية الكلبي، وأمره رسول الله أنْ يدفعه إلى عظيم بصرى يدفعه إلى قيصر، فدفعه عظيم بصرى (٢) إلى قيصر، وكان قيصر لمّا كشف الله عنه جنودَ فارس مشى من حمص (٣) إلى إيلياء (٤) شكرًا لما أبلاه (٥) الله، فلمّا جاء قيصر كتابُ رسول الله قال حين قرأه: التمسوا هل ها هنا من قومه أحد (٦) لنسأله عن رسول الله ! قال ابن عبّاس: فأخبرني أبو سفيان بن حرب أَنّه كان بالشام في رجال من قريش قدموا تجارًا في المدة التي كانت بين رسول الله وبين كفّار قريش، قال أبو سفيان: فوجدَنا رسولُ قيصر ببعض الشام، فانطلق بي وبأصحابي حتى قدمنا إيلياء فأدخلنا عليه، فإذا هو جالس في مجلس ملكه، وعليه التّاج، وحوله عظماء الروم، فقال لترجمانه: سلهم أَيّهم أقرب نسبًا إلى هذا الرجل الذي يزعم أنّه نبي؟ قال أبو سفيان: فقلت أنا أقربهم إليه نسبًا، فقالوا: ما قرابة بينك وبينه؟ قال:

⦗٣٥٢⦘ قلت: هو ابن عمي، قال: وليس في الركب يومئذ رجل من بني عبد مناف غيري، قال: فقال قيصر: أدنوه مني! قال: ثمّ أمر أصحابي فجُعلوا خلاف ظهري عند كتفي، قال: ثمّ قال لترجمانه: قل لأصحابه إنّي سائلٌ هذا عن هذا الرجل الذي يزعم أنّه نبي، فإن كذَبَ فكَذِّبُوه! قال أبو سفيان: والله لولا الحياء يومئذ من أن يأثر أصحابي عليّ الكذب لكذبته [عنه] (٧) حين سألني، ولكنّي استحييت أَنْ يأثروا عليّ الكذب فصدقْتُه عنه (٨)، ثمّ قال لترجمانه: [قل له] (٩): كيف نسب هذا الرجل فيكم؟ قلت هو فينا ذو حسب، قال: فهل قال هذا القول منكم أحدٌ قبله؟ قال: قلت: لا، قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قال: قلت: لا، قال: فهل كان من آبائه مَلِكٌ؟ قال: قلت: لا، قال: فأشراف النّاس اتبعوه أم ضُعَفَاؤهم؟ قال: قلت: بل ضعفاؤهم، قال: أفيزيدون أو ينقصون؟ قال: قلت: بل يزيدون، قال: قال: فهل يرتدّ أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قال: قلت: لا، قال: فهل يغدر؟ قال: قلت: لا، ونحن منه الآن في مدة ونحن نخاف أن يغدر، قال: وقال أبو سفيان: ولم تُمْكنِّي كلمة أدخل فيها شيئا أتنقصه به لا أخاف أن يؤثر عني غيرها، قال:

⦗٣٥٣⦘ فهل قاتلتموه وهل قاتلكم؟ قال: قلت: نعم، قال: فكيف كان حربكم وحربه؟ قال: قلت: كانت دولا (١٠) وسجالا؛ يدال علينا مرة، وندال عليه الأخرى (١١)، قال: فما يأمركم به؟ قال: قلت: يأمرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئًا، وينهانا عمّا كان يعبد آباؤنا، ويأمرنا بالصلاة، والصدق، والعفاف والوفاء، بالعهد، وأداء الأمانة، قال: فقال لترجمانه حين قلت ذلك له: قل له: إنّي سألتك عن نسبه فيكم، فزعمت أنّه فيكم ذو نسب، وكذلك الرسل تبعث في نسب قومها، وسألتك هل قال هذا القول أحد منكم قبله؟ قلت: لا (١٢)، فقلت (١٣): لو كان قال هذا القول أحد منكم قبله قلت: رجل يأتم يقول قيل قبله، وسألتك: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قال (١٤): فزعمتَ أنْ لا، فقد عرفت أنّه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله، وسألتك: هل كان من آبائه مَلِكٌ؟ فزعمت أن لا، فقلت: لو كان من آبائه ملك لقلت: رجل يطلب ملك آبائه، وسألتك: أشراف النّاس اتبعوه أم ضعفاؤهم؟ فزعمت أن ضعفاؤهم اتبعوه، وهم

⦗٣٥٤⦘ أتباع الرسل، وسألتك: هل ينقصون أم يزيدون؟ فزعمت أنّهم يزيدون وكذلك الإيمان حتى يتمّ، وسألتك: هل يرتدّ أحدٌ منهم سخطةً لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فزعمت أنْ لا، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلب لا يبغضه أحد، وسألتك: هل يغدر؟ فزعمت أن لا، وكذلك الرسل لا يغدرون، وسألتك: هل قاتلتموه وقاتلكم؟ فزعمت أن قد فعل وأَنَّ حربكم وحربه تكون دولا؛ يُدَال عليكم المرةَ وتُدَالون عليه الأخرى، وكذلك الرسل تُبْتَلى وتكون لها العاقبة، وسالتك: بماذا أمَرَكم؟ فزعمت أنّه يأمركم أن تعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا، وينهاكم عما كان يعبد آباؤكم، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة، قال: وهذه صفة نبي، قد كنت أَعلم (١٥) أَنَّه خارجٌ ولم أَكنْ أظنّ أنّه منكم، وإنْ يك ما قلتَ حقًّا فيوشك أَنْ يملك موضع قدميّ هاتين، ووالله لو أرجو [أنّي] (١٦) أخلص إليه لَتَجَشَّمْتُ (١٧) لُقِيَّه، ولو كنت عنده لغسلت (١٨) عن قدميه، قال أبو سفيان: ثمّ دعا بكتاب رسول الله فأمر به فقرئ فإذا فيه:

⦗٣٥٥⦘ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ من محمد رسول الله (١٩) إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإنّي أدعوك بدعاية الإسلام، أَسلم تسلم! وأَسلم يؤتك الله أَجرك مرتين! وإنْ تولّيت فإنّ عليك إثم الأريسيين و ﴿قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ﴾ إلي ﴿مُسْلِمُونَ﴾ (٢٠).

قال أبو سفيان: فلما قضى مقالته علت أصوات الذين حوله من عظماء الروم وكثر لغطهم، فلا أدري ماذا قالوا، وأُمر بنا فأخرجنا، قال أبو سفيان: فلما خرجت مع أصحابي وخلصت بهم قلت: لقد أَمِرَ أَمْرُ ابن أبي كبشة، هذا ملك بني الأصفر يخافه! قال أبو سفيان: فوالله ما زلت ذليلًا مستيقنا بأنّ أمره سيظهر حتى أدخل الله قلبي الإسلام وأنا له كاره (٢١).


(١) يعقوب بن إبراهيم هو موضع الالتقاء مع مسلم.
(٢) نهاية (ل ٥/ ٢١٩/ ب).
(٣) حِمْص: بالكسر ثم السكون، والصاد المهملة، مدينة بالشام مشهورة.
معجم ما استعجم (٢/ ٤٦٨)، وانظر: معجم البلدان (٢/ ٣٤٧).
(٤) إيلياء: بكسر أوله واللام، وياء، وألف ممدودة، مدينة بيت المقدس، وفيها ثلاث لغات: مد آخره، وقصره "إيلياء وإيليا"، وقصر أولها إلياء، وقيل: معنى إيلياء: بيت الله. انظر: معجم ما استعجم (١/ ٢١٧)، معجم البلدان (١/ ٣٤٨).
(٥) من الإبْلاء: وهو الإنعام والإحسان. انظر: النهاية (١/ ١٥٥).
(٦) في (ل): (من أحد).
(٧) من هامش ك، ومن: (ل).
(٨) نهاية (ل ٥/ ٢٢٠ / أ).
(٩) من: (ل).
(١٠) أي: نغلبه مرة ويغلبنا الأخرى، بمعنى سجال. انظر: النهاية (٢/ ١٤١).
(١١) في (ل): (أخرى).
(١٢) في (ل): (فزعمت أن لا).
(١٣) نهاية (ل ٥/ ٢٢٠/ ب).
(١٤) (قال) ليست في: ل، وهو أقرب.
(١٥) نهاية (ل ٥/ ٢٢١ / أ).
(١٦) من (ل).
(١٧) أي: تَكَلَّفت. انظر: النهاية (١/ ٢٧٤).
(١٨) في (ل): (غسلت).
(١٩) في (ل): (عبد الله ورسوله).
(٢٠) آل عمران (٦٤).
(٢١) نهاية (ل ٥/ ٢٢١ / ب).
والحديث أخرجه مسلم: (كتاب الجهاد والسير -باب كتاب النبي إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام- ح (٧٤) ( … ) ٣/ ١٣٩٧). وأخرجه البخاري: (كتاب الجهاد والسير -باب دعاء النبي الناس إلى الإسلام والنبوة، وأن لا يتخذ بعضهم بعضا أرباب من دون الله ..... ح (٢٩٤٠)، (٦/ ١٢٨ - ١٣٠ فتح).
* من فوائد الاستخراج: الإتيان بمتن رواية يعقوب بن إبراهيم، والتي أشار مسلم =
⦗٣٥٦⦘ = إلى إسنادها وذكر طرفًا من متنها.