للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٤٣٣ - حدثنا عباس الدُّوري، حدثنا يحيى بن مَعين، حدثنا حجاج بن محمد (١)، عن ابن جُريج، حدثنا أبو الزبير، ح

وَحدثنا (٢) عبد الله بن أحمد بن حنبل، وأحمد (٣) أخي

⦗٩٨⦘ قالا: حدثنا إسحاق بن منصور (٤)، حدثنا روح (٥)، حدثنا ابن جُريج، حدثنا أبو الزبير أنه سمِعَ جابر بن عبد الله يُسأل عن الورود [فقال: نحن يوم القيامة] (٦)، فذكر مثله: فيقولون: حتى ننظُرَ إليك (٧)، فيتجلى لهم يضحك، قال: سمِعتُ رسولَ الله يقول: "حتى تبدُوَ لَهَوَاتُهُ أو أَضْرَاسُه، فَيَنطلق ربُّهم فيتبَعُونَه، ويُعطَى كلَّ إنسانٍ منهم منافقٍ أو مُؤمنٍ نورًا وتغشى -أو كلمة نحوها- (٨) ثمّ يتبعونه، وعلى جسرِ جهنَّم كلاليبُ وحَسَكٌ (٩) تأخذ مَن شاء الله، ثم يُطْفَأ نورُ المنافقين ثم ينجو المؤمنون، فينجو أَوَّلُ زمرة وجوههم كالقمرِ ليلةَ البدرِ سبعون ألفًا لا يحاسبون، ثم

⦗٩٩⦘ الذينَ يلونهم كأضْوَءِ نجمٍ في السَّماء، ثم كذلك، ثم تَحِلُّ الشفاعة فيشفعون حتى يخرجَ مِنَ النارِ مَن قال: لا إلهَ إلا الله، وكان في قلبِه مِنَ الخيرِ ما يزن شعيرةً، فَيُجعلون بفناءِ الجنَّةِ ويجعل أهل الجنَّة يَرشون عليهم الماء، ثم يَنْبُتُون نباتَ الشيء في السَّيل ويذهب حُرَاقُهُ (١٠)، ثم يَسأل حتى يجعل لهم الدُّنيا مع عشرةِ أمثالِها".

هذا لفظُ حديث روح (١١).


(١) المصيصي الأعور المكي.
(٢) في (ط) و (ك): "وحدثني".
(٣) لم أجد لأخي المصنِّف هذا ذكرًا في المصادر التي وقفت عليها.
(٤) في (م): "عن" بدل "ابن" وهو خطأ، وإسحاق بن منصور هو: الكوسج المروزي، أبو يعقوب التميميّ، نزيل نيسابور.
(٥) ابن عبادة بن العلاء القيسي، أبو محمد البصري.
(٦) ما بين المعقوفتين من (ط) و (ك).
(٧) المخاطب هو الله ﷿.
(٨) قوله: "وتغشى أو كلمة نحوها" ليست في صحيح مسلم.
(٩) قال النووي: "الكلاليب جمع كَلُّوب بفتح الكاف، وضم اللام المشددة، وهو حديدة معطوفة الرأس يعلَّق فيها اللحم، وترسل في التنُّور، وقال صاحب المطالع: هي خشبة في رأسها عقافة حديد، وقد تكون حديدًا كلها، ويقال لها أيضًا: كُلَّاب".
وأما الحَسَك: فبفتح الحاء والسين المهملتين، وهو شوكٌ صلبٌ من حديد، واحدتها: حَسَكَة.
انظر: النهاية لابن الأثير (١/ ٣٨٦)، شرح مسلم للنووي (٣/ ٢١، ٢٩).
(١٠) في (ط) و (ك): "فيذهب"، وحُرَاقُه: بضم الحاء المهملة، وتخفيف الراء، والضمير في حراقه يعود على المخرَج من النار، وعليه يعود الضمير في قوله: ثم يسأل، ومعنى حُرَاقه: أثر النار، والله أعلم. شرح مسلم للنووي (٣/ ٤٩ - ٥٠).
(١١) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان -باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها (١/ ١٧٧ ح ٣١٦) عن إسحاق بن منصور وعبيد الله بن سعيد كلاهما عن روع به موقوفًا من قول جابر.
وأخرجه الإمام أحمد في المسند (٣/ ٣٨٣) عن روحٍ به وإسناده صحيح، وأخرجه أيضًا (٣/ ٣٤٥) عن موسى بن داود عن ابن لهيعة به.
وبسند ابن لهيعة أخرجه أبو يعلى الفرَّاء في "إبطال التأويلات" (ل ٦٠ ب) من طريق عبد الله بن يزيد المقرئ عنه به.
وأخرجه أيضًا -في الموضع نفسه- من طريق عباس الدوري عن ابن معين به، وإسناده صحيح وهو أحد طريقي المصنِّف هنا، وسيأتي الكلام عليه.
تنبيهان:
الأول: الحديث في صحيح مسلم موقوفٌ على جابر، ليس فيه ذكر النبي ، وقال النووي: "هذا الحديث جاء كله من كلام جابر موقوفا عليه وليس هذا من شرط مسلم إذ ليس فيه ذكر النبي وإنما ذكره مسلم وأدخله في المسند لأنه روى مسندًا =
⦗١٠٠⦘ = من غير هذا الطريق -أي: كما جاء في تخريج الحديث-، فذكره ابن أبي خيثمة عن ابن جريج يرفعه بعد قوله: يضحك، قال: سمعت رسول الله يقول فينطلق بهم، وقد نبه على هذا مسلم بعد هذا في حديث ابن أبي شيبة وغيره في الشفاعة، وإخراج من يخرج من النار، وذكر إسناده وحماعه من النبي بمعنى بعض ما في الحديث والله أعلم". انظر: شرح مسلم للنووي (٣/ ٤٨).
الثاني: قوله في الحديث: "حتى تبدو لهَوَاته أو أضراسه" ليس في صحيح مسلم، وهو ثابتٌ في هذا الحديث من طريق ابن معين، فقد أخرجه أبو يعلى من طريقه -كما سبق تخريجه- غير أنه قال فيه: "يضحك ربكم حتى بدت لهواته وأضراسه" بدون شك، ثم قال عقب الحديث تأكيدًا: "قال ابن معين: لهواته وأضراسه".
ثم قال أبو يعلى رحمه الله تعالى: "وذكر أبو الحسن الدارقطني في "الصفات" عن أبي بكر النيسابوري قال: حدثنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي قال: حدثنا روح قال: حدثنا ابن جريج عن أبي الزبير أنه سمع جابرًا سئل عن الورود، وذكر الحديث وقال فيه: فيقول الله ﷿: أنا ربكم، فيقولون: حتى ننظر إليك، فيتجلَّى لهم يضحك، قال: سمعت رسول الله يقول: حتى تبدو لَهَاته وأضراسه".
ثم نقل عن المرُّوذي قوله يسأل الإمام أحمد: "قلت: ما تقول في حديث ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر فضحك حتى بدت … ، قال: هذا يُشنَّع به، قلت: فقد حدَّثت به؛ قال: ما أعلم أني حدَّثت به إلا محمد بن داود -يعني المصيصي- وذاك أنه طلب إليَّ فيه، قلت: أفليس العلماء قد تلقَّته بالقبول؟ قال: بلى".
وقال أبو يعلى أيضًا بعد ذلك: "قال أبو بكر الخلال: رأيت في كتاب الهروي المستملي أنه قال لأبي عبد الله: حديث جابر بن عبد الله: ضحك ربنا حتى بدت لهواته -أو قال أضراسه- ممن سمعته؟ قال: حدثنا روح … قال رسول الله : "يضحك ربنا حتى بدت لهواته -أو قال: أضراسه-". وعقَّب أبو يعلى قائلًا: "فقد =
⦗١٠١⦘ = نصَّ -أي: الإمام أحمد- على صحة هذه الأحاديث والأخذ بظاهرها والإنكار على من فسَّرها".
ثم ذكر أبو يعلى ما معناه أنَّ قوله في الحديث: لهواته وأضراسه في حديث الضحك فيه إثباتٌ بأنها صفة تختصُّ بالذات فيبطل ما تأوَّلته الجهمية ومن شايعهم من أنَّ المراد بالضحك من الله هو إظهار النعم والفضل ونحو ذلك.
والعجيب -مع نقل أبي يعلى السابق ومع قول أبي عوانة عقب الحديث: هذا لفظ روحٍ- أن قوله: "حتى تبدو لهواته وأضراسه" ليس في رواية الإمام أحمد عن روحٍ في "المسند" -المطبوع- (٣/ ٣٨٣)، وكذلك ليس في كتاب "الصفات" للدارقطني بل موضعه في كتاب الدارقطني بياض مقدار كلمتين كما ذكر ذلك الشيخ: علي بن ناصر الفقيهي محقق كتاب الصفات للدارقطني!
والظاهر أن في موضع هذا البياض كان هذا النص؛ لأنه مثبتٌ في الحديث في كتاب "الرؤية" للدارقطني -وهو من طريق الإمام أحمد عن روح-، وكما نقله أبو يعلى من كتاب الدارقطني في الصفات، ويظهر -والله أعلم- أن بعض النسَّاخ استشنع هذه الألفاظ فلم يثبتها.
وأما عدم وجوده في المسند فإما أن يكون الأمر من بعض النساخ كما سبق، أو أن الإمام أحمد رحمه الله تعالى كان لا يذكر هذه الألفاظ في تحديثه لكل أحد مع صحة الحديث عنده وقبول العلماء له، وقد سبق كلام الإمام أحمد أن هذا مما يُشنَّع به، أي من الأحاديث التي يُشنَّع على من ينشرها بين الناس، ويحدِّث بها كلَّ أحد، مع التسليم بها، ولذلك لم يحدِّث به إلا شخصًا واحدًا -وهو محمد بن داود المصيصي- طلبه منه، وذلك أنه كان يراعى فهم الناس لهذه الألفاظ، وأخذًا يقول علي بن أبي طالبٍ الذي أخرجه البخاري، قال: "حدِّثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذَّب الله ورسوله؟ ".
⦗١٠٢⦘ = قال الحافظ ابن حجر: "وممن كره التحديث ببعضٍ -أي: الأحاديث- دون بعض: الإمام أحمد في الأحاديث التي ظاهرها الخروج على السلطان، ومالك في أحاديث الصفات، وأبو يوسف في الغرائب، ومن قبلهم أبو هريرة كما تقدم عنه في الجرابين وأن المراد ما يقع من الفتن، ونحوه عن حذيفة، وعن الحسن أنه أنكر تحديث أنس للحَجَّاج بقصة العرنيين لأنه اتخذها وسيلة إلى ما كان يعتمده من المبالغة في سفك الدماء بتأويله الواهي، وضابط ذلك أن يكون ظاهر الحديث يقوي البدعة، وظاهره في الأصل غير مراد، فالإمساك عنه عند من يخشى عليه الأخذ بظاهره مطلوب، والله أعلم".
والأصل في توحيد الصفات -كما قرَّره شيخ الإسلام ابن تيمية- هو أن يوصف الله تعالى بما وصف به نفسه، وبما وصفته به رسله نفيًا وإثباتًا، فيُثبت لله ما أثبته لنفسه، ويُنفى عنه ما نفاه عن نفسه ، وأن الكلام في الصفات فرعٌ من الكلام في الذات، فكما ينبتُ لله ذاتٌ حقيقية تَليق بجلاله وعظمته لا تشبه ذوات المخلوقين فهذه الذات متصفةٌ أيضًا بصفاتٍ حقيقية لا تُشبه صفات المخلوقين؛ فيُثبت له الصفات التي أثبتها لنفسه أو أثبتها له رسله الكرام بدون تشبيهٍ أو تعطيل أو تكييفٍ أو تأويل، والله أعلم.
انظر: صحيح البخاري -كتاب العلم- باب من خص بالعلم قومًا دون قومٍ كراهية ألا يفهموا (الفتح ١/ ٢٧٢ ح ١٢٧)، الرؤية للدارقطني (ص: ١٦٣)، والصفات له (ص: ٤٧)، إبطال التأويلات لأبي يعلى (ل ٦٠ ب- ٦٢ أ)، التدمرية لابن تيمية (ص: ٧ - ٨، و ٤٣).