للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٤٨٧ - حدثنا محمد بن عبد الملك الواسطي الدَّقِيقي (١)، حدثنا يعقوبُ بن إبراهيم بن سعدٍ الزُّهري، حدثنا أبي، عن ابن شهابٍ، عن عَطاء بن يزيدَ الليثي، أنَّ أبا هُريرَةَ أخبَرَه أنَّ أُناسًا قالوا لرسول الله ﷺ (٢): يا رسولَ الله هل نرى ربَّنا يومَ القيامة؟ فقال رسولُ الله ﷺ: "هل

⦗١٧٨⦘ تُضَارُّونَ (٣) في القمر ليلةَ البدر؟ "، قالوا: لا، يا رسول الله، قال: "هل تُضَارُّونَ في الشَّمسِ ليْس دونَها (٤) سَحَابٌ؟ "، قالوا: لا، قال: "فإنكم ترونه كذلك، يَجمع النَّاسَ يومَ القيامة فيقول: مَن كان يعبد شيئًا فَليَتْبَعْهُ، فَيَتْبَعُ مَنْ [كان] (٥) يعبد الشَّمسَ الشمسَ وَيَتْبَعُ مَنْ [كان] (٦) يَعبد القَمرَ القمرَ، وَيَتْبَعُ مَنْ [كان] (٧) يَعبد الطَّوَاغِيتَ الطوَاغيتَ (٨)،

⦗١٧٩⦘ وَتَبقى هذه الأُّمةُ فيها مُنافِقُوها.

ثمَّ يأتيهم الله في صورة غير صورته التي (٩) يَعرفون، فيقول: أنا ربُّكم، فيقولون: نعوذُ باللهِ منك، هذا مكانُنا حَتى يأتيَنَا رَبُّنا فإذا جاء ربُّنا عَرفناه، فيأتيهم الله في صورته التي يعرفون، فيقول: أنا ربُّكم فيقولون: أنتَ رَبُّنا، فَيَتْبَعُونَهُ وَيُضرَب الصِّراطُ بين ظهراني جَهنَّم فأكون أنا وَأُمَّتي أوَّلَ مَن يُجيزه، ولا يَتَكلَّم يَومَئذٍ إلا الرُّسل، ودَعْوى الرُّسلِ يَومَئذٍ: اللهمّ سلِّم! سلِّم!

وَفي جَهنَّم كَلاليبُ مثْلُ شوْكِ السَّعْدانِ، هَلْ رَأَيتُمْ السَّعْدانَ؟ "، قالوا: نعَم يا رسولَ الله، قال: "فإنَّها مِثلُ شَوْك السَّعْدَان، غيرَ أنّه لا يَعلم ما قدرُ عِظَمِها إلا الله، فَتخطف النَّاسَ بأعمالهم (فمنهم المؤمن بقي بعمله (١٠) -وذكر كلمة- وَمنهُم المُجَازى ثم يُنَجِّي الله.

⦗١٨٠⦘ حتى إذا فرغ الله من القضاءِ بين العباد وأرادَ أن يُخْرِجَ برحمَتِه من أراد من أهل النَّار؛ أمر الملائكةَ أن يُخرِجوا مِن النَّار مَنْ كان لا يُشرِكُ بالله شيئا ممن أرادَ الله (١١) أن يَرْحَمَهُ ممن يقول: لا إلهَ إلا الله فيعرفونهم في النار، يعرفونهم بأثر السُّجود، وتأكل النَّارُ ابنَ آدم إلا أثرَ السُّجودِ، حَرَّمَ (١٢) الله على النَّار أن تأكلَ أثرَ الشجودِ، فيخرجون من النَّار قد امْتَحَشُوا (١٣) فَيُصَبُّ (١٤) عليهم ماء الحياةِ، فينبتون فيه (١٥) كما تنبُتُ الحِبَّةُ في حَميل السَّيلِ (١٦) ثمَّ يفرغُ الله من القضاء بين

⦗١٨١⦘ العباد (١٧)، ويبقى رَجلٌ مقبلٌ بوجهه على النَّار (١٨) هو آخر أهل الجنَّةِ دُخُولًا الجنَّةَ، فيقول: أيْ ربِّ اصرف وجهي عَن النُّار فإنه قد قَشَبَنِي ريحُها وأحرقني ذكَاؤها (١٩) فيدعو الله ما شاء [الله] (٢٠) أن يدعُوَهُ، ثمَّ يقول الله: هل عسيْتَ إن أفعل ذلك بك أن تسألَ غَيرَه؟

فيقول: لا، وَعِزَّتِك لا أسألك غيرَه، ويُعطي رَبَّه [﷿] (٢١) من عهودٍ وَمَواثيق ما شاء الله، فَيصرف الله وجهَهُ عن النَّار، فإذا أقبل على

⦗١٨٢⦘ الجنَّة ورآها سكتَ ما شاء الله أن يَسْكُتَ، ثمَّ يقول: أيْ رَبِّ قدِّمْني إلى باب الجنَّة فيقول الله لهُ: ألستَ قد أعطيتَ عهودَكَ ومواثيقَك لا تسألني غير الذي أعطيتك، ويلك يا ابن آدم ما أغدرك!

فيقول: أيْ ربّ، يدعو الله حتى يقولَ الله: فهل عَسَيْتَ إن أُعطيتَ ذلك -أو أَعْطيتُك ذلك- أن تسألني (٢٢) غيره؟ فيقول: لا، وعِزَّتِك، فيُعطي رَبَّه ما شاء من عُهُودٍ ومَواثيق (٢٣)، فَيُقَدِّمه إلى باب الجنَّةِ، فإذا قام إلى باب الجنَّة انْفَهَقَتْ (٢٤) لَه الجَنَّةُ فرأى ما فيها من الحَبْرِ (٢٥) والسُّرورِ، فيسكت ما شاء الله أن يسكت ثمَّ يقول: أيْ ربِّ أدخلني الجنَّةَ، فيقول الله ﵎ (٢٦): ألستَ قد أعْطيتَ عُهُودَكَ ومَواثيقَك لا تسأل غير ما أُعطيتَ (٢٧)؟ ويلك يا ابن آدم

⦗١٨٣⦘ ما أغدرك! فيقول: أي ربِّ لا أكون أشقَى خلقِك، فلا يزال يدعُو الله حتى يضحك الله منه، فإذا ضحِك الله منه قال: ادخُل الجنَّةَ، فإذا دَخَلها قال الله له ﵎ (٢٨): تَمَنَّهْ (٢٩)، فيسألُ ربَّه ويتمنَّى حتى إنَّ الله ليذكِّره، يَقول: مِن كذا وكذا (٣٠)، حتى إذا انقطَعَتْ به الأماني قال الله: ذلك (٣١) لك وَمثلُهُ مَعه".

قال عطاء بن يزيد: وأبو سعيد الخُدريُّ مَع أبي هريرة لا يَرُدُّ عليه من حديثه شيئًا (٣٢) حتى إذا حَدَّثَ أبو هُريرةَ أنَّ الله ﵎ قال لذلك الرَّجلِ: "ومثله مَعَهُ"؛ قال أبو سعيد الخُدريُّ: "وَعشرة أمثاله مَعَه" يا أبا هُرَيرةَ، قال أبو هُرَيرةَ: ما حَفظتُ إلا قَولَه: "ذلك لك ومثله معَهُ"، قال أبو سعيد الخُدريُّ: أَشهد أنِّي حَفظتُ من رسول الله ﷺ قوله: "ذلك لك وعشرة أمثالِه"، قال أبو هريرة: وَذلك الرَّجلُ آخر أهلِ الجنَّةِ دخولًا (٣٣).


(١) في (ط) و (ك): "هو الدقيقي".
(٢) قوله: "لرسول الله ﷺ" ليست في (ط) و (ك).
(٣) قال الحافظ ابن حجر: "بضم أوله، وبالضاد المعجمة، وتشديد الراء بصيغة المفاعلة من الضرر، وأصله: تضاررون بكسر الراء وبفتحها، أي: لا تضرُّون أحدًا ولا يضركم بمنازعة ولا مجادلة ولا مضايقة، وجاء بتخفيف الراء من الضير، وهو لغةٌ في الضر أي: لا يخالف بعض بعضًا فيكذبه وينازعه فيضيره بذلك، يقال: ضاره يضيره، وقيل: المعنى لا تضايقون أي: لا تُزاحمَون كما جاء في الرواية الأخرى: "لا تَضامُّون" بتشديد الميم مع فتح أوله، وقيل: المعنى لا يحجب بعضكم بعضًا عن الرؤية فيضر به". فتح الباري (١١/ ٤٥٥).
(٤) في (م): "دونهما".
(٥) ما بين المعقوفتين من (ط) و (ك).
(٦) ما بين المعقوفتين من (ط) و (ك).
(٧) ما بين المعقوفتين من (ط).
(٨) جمع طاغوت، وقد اختلف في معناه فقيل: هو الشيطان، وقيل: الأصنام، وقيل غير ذلك، وقال ابن جريرٍ الطبري: "والصواب من القول عندي في الطاغوت: أنه كلُّ ذي طغيانٍ على الله فعبد من دونه إما بقهر منه لمن عبده، وإما بطاعةٍ ممن عبده له إنسانًا كان ذلك المعبود، أو شيطانًا، أو وثنًا، أو صنمًا، أو كائنًا ما كان من شيءٍ".
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى-: "الطاغوت عامٌّ، فكل ما عبد من دون الله، ورضي بالعبادة من معبودٍ أو متبوعٍ أو مطاعٍ في غير طاعة الله ورسوله فهو طاغوت"، ثم قال: "والطواغيت كثيرة ورؤوسهم خمسة" ثم عدَّهم. =
⦗١٧٩⦘ = انظر: تفسير ابن جرير الطبري (٣/ ٢٨)، التنبيهات المختصرة شرح الواجبات المتحتمات المعرفة لإبراهيم بن صالح الخريصي (ص: ١٤٥).
(٩) في (ك): "الذي"، وكانت في (ط) كما في الأصل غير أنه ضرب عليها بالقلم، وأصلحت في الهامش: "الذي".
(١٠) في "بقي" ضبطان: أحدهما بالباء الموحدة "بقي بعمله" أي: حجزه عمله وأبقاه.
والثاني بالمثناة من تحت، من الوقاية "يقي بعمله" أي: يستره عمله.
وقد وردت هذه اللفظة على وجهين آخرين: "منهم الموثق بعمله" و "منهم الموبق بعمله"، قال النووي: "قال القاضي [عياض] هذا أصحّها، وكذا قال صاحب المطالع: هذا الثالث هو الصواب" يعني "الموبق بعمله". وهذا الأخير هو رواية =
⦗١٨٠⦘ = البخاري، وسيأتي تخريجها.
انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، (٣/ ٢١)، فتح الباري لابن حجر (١١/ ٤٦٢).
(١١) لفظ الجلالة ليس في (ط) و (ك).
(١٢) في (ط) و (ك): "وحرم".
(١٣) وتصحفت في (ك): "امتشخوا".
قال النووي: "هو بالحاء المهملة، والشين المعجمة، وهو بفتح التاء والحاء هكذا هو في الروايات وكذا نقله القاضي عياض ﵀ عن متقني شيوخه وقال: وهو وجه الكلام، وبه ضبطه الخطأبي والهروي وقالوا في معناه: "احترقوا"، قال القاضي: ورواه بعض شيوخنا بضم التاء كسر الحاء". وقال الحافظ ابن حجر: "المحش: احتراق الجلد، وظهور العظم". انظر: غريب الحديث لأبي عبيد (١/ ٧٣)، شرح مسلم للنووي (٣/ ٢٢)، فتح الباري لابن حجر (١١/ ٤٦٦).
(١٤) تصحفت في (م) إلى: "فيضرب".
(١٥) في (م) "له" بدل "فيه".
(١٦) الحِبَّة: بكسر الحاء، وهي بزر البقول والعشب تنبت في البراري وجوانب السيول، وأما =
⦗١٨١⦘ = حميل السيل فهو ما جاء به السيل من طين أو غثاء، ومعناه محمول السَّيل، والمراد التشبيه في سرعة النبات وحسنه وطراوته.
انظر: غريب الحديث لأبي عبيد (١/ ٧٠ - ٧١)، شرح مسلم للنووي (٣/ ٢٣)، فتح الباري لابن حجر (١١/ ٤٦٦).
(١٧) في هذا الموضع من الأصل و (م) تكررت العبارة التالية: "وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئًا" كتب فوقها في الأصل: "معاد"، وعليها في (م) علامة حذف (لا- إلى).
(١٨) في (ط) و (ك): "على النار بوجهه".
(١٩) قال النووي: "قَشَبَني: سمَّني وآذاني وأهلكني، كذا قاله الجماهير من أهل اللغة والغريب، وقال الداوودي: معناه غيَّر جلدي وصورتي"، وهو تفسيرٌ باللازم، قال الحافظ ابن حجر معقبًا على قول الداووي: "والداوودي كثيرًا ما يفسِّر الألفاظ الغربية بلوازمها، ولا يحافظ على أصول معانيها". وأما ذكاؤها فمعناها: لهبها واشتعالها وشدة وهجها.
انظر: شرح مسلم للنووي (٣/ ٢٣) فتح الباري لابن حجر (١١/ ٤٦٧ - ٤٦٨).
(٢٠) ما بين المعقوفتين من (ط) و (ك).
(٢١) ما بين المعقوفتين من (ط) و (ك).
(٢٢) في (ط) و (ك): "تسأل" بدل "تسألني".
(٢٣) في (ط) و (ك) بتقديم المواثيق على العهود.
(٢٤) أي: انفتحت واتسعت. النهاية لابن الأثير (٣/ ٤٨٢)، شرح مسلم للنووي (٣/ ٢٤)
(٢٥) في (ط) و (ك): "الحبرة"، والحَبر والحبرة -بفتح الحاء المهملة: النعمة وسعة العيش، ولفظ مسلم: "من الخير والسرور" قال النووي: "هذا هو المعروف في الروايات والأصول".
انظر: النهاية لابن الأثير (١/ ٣٢٧)، شرح مسلم للنووي (٣/ ٢٤).
وفي سورة الروم- الآية (١٥) قول الله ﵎: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ في رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (١٥)﴾.
(٢٦) عبارة الثناء على الله ﷿ ليست في (ط) و (ك)، وفي (ك): "فيقول الله له".
(٢٧) في (ط) و (ك): "أعطيتك".
(٢٨) عبارة الثناء على الله ﷿ ليست في (ط) و (ك)، كلمة "له" ليس في (م).
(٢٩) فعل أمر من التمني، لحقت به هاء السكت.
(٣٠) الجار والمجرور متعلّق بمحذوف تقديره -والله أعلم-: "سلْ" أمر من السؤال، كما سيأتي التصريح به في ح (٤٩٢).
(٣١) في (ط) و (ك): "ذاك".
(٣٢) في (ط) و (ك): "شيئًا من حديثه".
(٣٣) أخرجه البخاري في صحيحه -كتاب التوحيد- باب قول الله تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (٢٣)﴾ (الفتح ١٣/ ٤٣٠ ح ٧٤٣٧، ٧٤٣٨) عن عبد العزيز بن عبد الله الأويسي عن إبراهيم بن سعد عن الزهريّ به. =
⦗١٨٤⦘ = وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان -باب معرفة طريق الرؤية (١/ ١٦٣ ح ٢٩٩) عن زهير بن حرب عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن الزهريّ به.
فائدة الاستخراج:
زاد المصنِّف في اسم: يعقوب بن إبراهيم اسم جده ونسبته.