للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٥٠٥ - حدثنا أحمد بن عبد الحميد الحارثي الكوفي، حدثنا أبو أسامة (١) حَدثني أبو حَيان (٢)، عن أبي زرعَة (٣)، عن أبي هُريرة قال: أُتِيَ رسولُ الله يومًا بلحمٍ فرفع إليهِ الذِّراع وكان يُعجبه، فَنَهس (٤) منها نَهْسَةً ثمَّ قال: "أنا سَيِّدُ النَّاس يومَ القيامة، وهل تدرون بمَ ذاك؟ إنَّ الله (٥) يَجْمَعُ يومَ القيامة الأوَّلين والآخرين في صعِيدٍ واحد فَيُسمعهم الدَّاعي ويَنفُذهم (٦) البصر وتدنو الشَّمس فيبلغ النَّاسَ من الغَمّ والكرب ما لا يُطيقون ولا يحتملون، فيقول بعضُ النَّاس لبعضٍ: ألا ترون ما أنتم فيه؟ ألا (٧) ترون ما قد بلغتم؟ (٨) ألا تنظرون مَن يشفع

⦗٢١١⦘ إلى رَبِّكم؟ فَيقول بعض النَّاس لبعْضٍ: أبوكم آدم، فيأتون آدمَ فيقولون: يا آدم، أنتَ أبو البشرِ خلقك (٩) الله بيدِهِ ونفخ فيك مِن رُوحِه وأمر الملائكة فسجدوا لك، اشفع لنا إلى ربِّك، ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى مَا قَدْ بَلَغَنا؟

فَيَقولُ لهمُ: إنَّ ربِّي قَدْ غَضبَ اليومَ غضبًا لم يغضَبْ قبلَه مثلَه ولا يغضَبُ بعدَهُ مثلَه وإنَّه نَهَاني عن الشَّجرة فعَصَيْتُهُ (١٠)، نفسي! نفسي! نفسي! اذهَبُوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح.

فيأتون نوحًا فيقولون: يا نوحُ أنت أوَّلُ الرُّسلِ إلى (١١) أهلِ الأرضِ، سمَّاك الله عبدًا شكورًا، ألا تشفع لنا إلى ربّك؟ ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا تَرَى ما قد بَلَغَنَا؟ فَيَقُول لهم: إنَّ ربّي قد غضِبَ اليومَ غضبًا لم يغْضَبْ قبله مثلَه، ولن يغضَبَ بعدَه مثلَه، وإنَّه كانَتْ لي دَعْوَةٌ دعوْتُ بها على قومي، نفسي! نفسي! نفسي! اذهَبُوا إلى غيري، اذهَبُوا إلى إبراهيم.

فيأتون إبراهيمَ فيقولون: يا إبراهيم، أنتَ نبيُّ الله وخَليلهُ من أهلِ الأرضِ، اشفَعْ لنا إلى ربِّك، ألا ترَى إلى (١٢) ما نحن فيهِ؟ ألا ترى ما قد

⦗٢١٢⦘ بلَغَنَا؟ فيقول لهم إبراهيم: إنَّ ربِّي قد غضِبَ اليومَ غضبًا لم يغْضَبْ قبلَه مثلَه ولن يغْضَبَ بعدَهُ مثلَه، وذكر كَذَبَاتهِ، نفسي! نفسي! نفسي! نفسي (١٣)! اذهَبُوا إلى غيري، اذهَبُوا إلى موسى.

فيأتون موسى فيقولون: يا موسى، أنتَ رسولُ الله، فضَّلك الله برسالاته وبكَلامه على النَّاس، اشفَعْ لنا إلى ربِّك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلَغَنَا؟ فيقول لهم: إنَّ رَبِّي قد غضِبَ اليومَ غَضَبًا لم يغضَبْ قبلَه مثلَه، ولن يَغْضَبَ بعدَهُ مثلَه، إنِّي قتَلْتُ نفسًا لم أُؤمر بقتلِها، نفسي! نفسي! نفسي! نفسي! اذهبوا إلى غيري، اذهَبُوا إلى عيسى.

فيأتون عيسى فيقولون: يا عيسى، أنتَ رسولُ الله كلمتُهُ ألقاها إلى مريم وروحٌ منه، كَلَّمْتَ النَّاسَ في المهد، اشفَعْ لنا إلى ربِّك ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى (١٤) ما قد بلغنا؟ فيقول لهم عيسَى: إنّ ربِّي قد غضِبَ اليومَ غضبًا لم يغضبْ قبله مثله، ولن يغضَبَ بعدَهُ مثلَهُ (١٥) -ولم يذكر ذنبًا- نَفْسي! نَفْسي! نَفْسي! نَفسي! اذهَبوا إلى غَيري،

⦗٢١٣⦘ اذهَبوا إلى محمدٍ .

فيأتونَ فَيقولُون: يا محمدُ، أنتَ رسولُ الله وَخَاتم الأنبياء (١٦)، غُفِر لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر، اشفَعْ لنا إلى ربِّك، ألا تَرَى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلَغَنَا؟ (١٧)

فأنطلق فآتي تحتَ العرش فأخرُّ سَاجدًا لِرَبِّي، ثمَّ يفتح الله علي وَيُلْهِمُني من محامدِهِ وحسنِ الثَّناء عليه شيئًا لم يفتحه على أحدٍ من قبلي، ثمَّ يقال: يا محمد ارْفَعْ رأسَك، سَلْ تُعْطَه، اشْفَعْ تُشَفَّعْ، فأرفع رأسي فأقول: أُمَّتي، أُمَّتي ثلاثَ مرَّات.

فيقال: يا محمد أَدْخِل الجنَّة من لا حسابَ عليهم من الباب الثامن (١٨) من أبواب الجنَّة، وَهُم شركاء النَّاس فيما سوى ذلك من الأبوابِ، قال (١٩): وَالذي نفس محمد بيدِهِ إنَّ ما بين المصرَاعَين من مصاريع الجنَّةِ لَكمَا بين مكةَ وهَجَر (٢٠)، وَكَمَا بين

⦗٢١٤⦘ مَكَّةَ وبُصْرَى (٢١) " (٢٢).


(١) حماد بن أسامة القرشي مولاهم الكوفي.
(٢) يحيى بن سعيد بن حبّان التيمي الكوفي.
(٣) ابن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفي.
(٤) النَّهْس: أخذ اللحم بأطراف الأسنان. النهاية لابن الأثير (٥/ ١٣٦).
(٥) عبارة الثناء لم ترد في (ط) و (ك).
(٦) قال الحافظ ابن حجر: "ينفذهم: بفتح أوله، وضم الفاء من الثلاثي أي: يخرقهم، وبضم أوله كسر الفاء من الرباعي أي يحيط بهم". فتح الباري (٨/ ٢٤٨).
(٧) في (م): "ولا".
(٨) في (ك): "بلغكم"، وفي (ط) الكلمة غير واضحة.
(٩) في (م): "وخلقك".
(١٠) في (ط) و (ك): "فعصيت".
(١١) حرف الجر "إلى" سقط من (م).
(١٢) حرف الجر "إلى" لم يرد في (ط) و (ك).
(١٣) كلمة "نفسي" هذه الرابعة عليها في الأصل ضبة، وفي صحيح مسلم تكرر مرتين فقط.
(١٤) في (ط) و (ك) زيادة: "إلى" في هذا الموضع.
(١٥) قوله: "ولن يغضب بعده مثله" ليس في (ط) و (ك)، كلمة "مثله" ليس في (م)، وقوله بعده: "ولم" جاء في (م): "فلم".
(١٦) في (ط) و (ك): "النبيِّين".
(١٧) في (ط) و (ك): "إلى ما قد بلغنا" بزيادة "إلى".
(١٨) عليها في الأصل و (ط) و (ك) ضبة، وفي مسلم: "من الباب الأيمن".
(١٩) كلمة "قال" ليست في (ط) و (ك).
(٢٠) قال النووي: "هَجَر: بفتح الجيم والهاء مدينة عظيمة هي قاعدة بلاد البحرين … وهجر هذه غير هجر المذكورة في حديث (إذا بلغ الماء قلتين) بقلال هَجَر، تلك قرية من قرى المدينة كانت القلال تصنع بها". وكلام النووي هذا: فيه جزمه بأن "هَجَر" هنا هي التي بالبحرين، لكن الذي في لفظ البخاري (ح: ٤٧١٢) -وسيأتي عند المصنِّف =
⦗٢١٤⦘ = برقم (٥٠٧) -: "ما بين مكة وحِمْير"، فظاهره أن هَجَر المقصودة هنا غير اللتين ذكرها النووي؛ ففى معجم البلدان لياقوت الحموي: "الهجر بلغة حمير والعرب العاربة: القرية، فمنها: هجر البحرين، وهجر نجران، وهجر جازان … ". وعليه فالذي يظهر أن المقصود بها: هَجَر جازان أو هَجَر نجران لقربها من بلاد قبيلة حِمير التي ديارها اليمن، مع رواية البخاري ومثيلتها عند المصنِّف كما سبق، والله أعلم.
تنبيه:
(البحرين) الوارد في كلامهم ليس المقصود بها البحرين المعروفة الآن جغرافيًّا، ولكنها كانت تطلق على المنطقة الشرقية وقاعدتها هَجَر، وهي الأحساء. أفاده صاحب المعالم الأثيرة.
انظر: معجم البلدان لياقوت (٥/ ٤٥٢)، شرح صحيح مسلم (٣/ ٦٩)، معجم قبائل العرب القديمة والحديثة (١/ ٣٠٦)، المعالم الأثيرة لمحمد شُرَّاب (ص: ٢٩٣).
(٢١) بضم الباء، من مدن الشام وهي مدينة حوران بسوريا، على منتصف المسافة بين عمَّان ودمشق وهي اليوم آثار قرب مدينة درعة داخل الحدود السورية على أكيال من حدود الأردن.
انظر: معجم البلدان لياقوت (١/ ٥٢٢)، شرح مسلم للنووي (٣/ ٦٩)، معجم المعالم الجغرافية لعاتق البلادي (ص: ٤٣ - ٤٤).
(٢٢) أخرجه البخاري في صحيحه -كتاب أحاديث الأنبياء- باب يزفُّون: النسلان في المشي (الفتح ٦/ ٤٥٥ ح ٣٣٦١) عن إسحاق بن إبراهيم بن نصر عن أبي أسامة القرشي عن أبي حيان به مختصرًا.
وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان -باب أدني أهل الجنة منزلةً فيها (١/ ١٨٤ ح ٣٢٧) عن أبي بكر بن أبي شيبة وابن نمير كلاهما عن محمد بن بشر عن أبي حيان به.