فَيَرْمِيهِ مَاشِيًا لِيَكُونَ أَقْرَبَ إلَى التَّضَرُّعِ، وَبَيَانُ الْأَفْضَلِ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ﵀.
وَيُكْرَهُ أَنْ لَا يَبِيتَ بِمِنًى لَيَالِي الرَّمْيِ لِأَنَّ النَّبِيَّ ﵊ بَاتَ بِمِنًى، وَعُمَرُ ﵁ كَانَ يُؤَدِّبُ عَلَى تَرْكِ الْمَقَامِ بِهَا. وَلَوْ بَاتَ فِي غَيْرِهَا مُتَعَمِّدًا لَا يَلْزَمُ شَيْءٌ عِنْدَنَا، خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ﵀ لِأَنَّهُ وَجَبَ لِيَسْهُلَ عَلَيْهِ الرَّمْيُ فِي أَيَّامِهِ فَلَمْ يَكُنْ
الشَّمْسِ إلَى الزَّوَالِ وَقْتٌ مَسْنُونٌ، وَمَا بَعْدَ الزَّوَالِ إلَى الْغُرُوبِ وَقْتُ الْجَوَازِ بِلَا إسَاءَةٍ، وَاللَّيْلُ وَقْتُ الْجَوَازِ مَعَ الْإِسَاءَةِ اهـ. وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ مَحْمَلِ ثُبُوتِ الْإِسَاءَةِ عَدَمَ الْعُذْرِ حَتَّى لَا يَكُونَ رَمْيُ الضَّعَفَةِ قَبْلَ الشَّمْسِ وَرَمْيُ الرِّعَاءِ لَيْلًا يُلْزِمُهُمْ الْإِسَاءَةَ، وَكَيْفَ بِذَلِكَ بَعْدَ التَّرْخِيصِ، وَيَثْبُتُ وَصْفُ الْقَضَاءِ فِي الرَّمْيِ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ سِوَى ثُبُوتِ الْإِسَاءَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ لِعُذْرٍ
(قَوْلُهُ وَبَيَانُ الْأَفْضَلِ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ﵀) حُكِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْجَرَّاحِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي يُوسُفَ ﵀ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَفَتَحَ عَيْنَيْهِ وَقَالَ: الرَّمْيُ رَاكِبًا أَفْضَلُ أَمْ مَاشِيًا؟ فَقُلْت: مَاشِيًا، فَقَالَ: أَخْطَأْت، فَقُلْت: رَاكِبًا، فَقَالَ: أَخْطَأَتْ، ثُمَّ قَالَ: كُلُّ رَمْيٍ بَعْدَهُ وُقُوفٌ، فَالرَّمْيُ مَاشِيًا أَفْضَلُ، وَمَا لَيْسَ بَعْدَهُ وُقُوفٌ فَالرَّمْيُ رَاكِبًا أَفْضَلُ، فَقُمْت مِنْ عِنْدِهِ فَمَا انْتَهَيْت إلَى بَابِ الدَّارِ حَتَّى سَمِعْت الصُّرَاخَ بِمَوْتِهِ، فَتَعَجَّبْتُ مِنْ حِرْصِهِ عَلَى الْعِلْمِ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْحَالَةِ.
وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: الرَّمْيُ كُلُّهُ رَاكِبًا أَفْضَلُ اهـ، لِأَنَّهُ رُوِيَ رُكُوبُهُ ﵊ فِيهِ كُلِّهِ، وَكَأَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَحْمِلُ مَا رُوِيَ مِنْ رُكُوبِهِ ﵊ فِي رَمْيِ الْجِمَارِ كُلِّهَا عَلَى أَنَّهُ لَيُظْهِرُ فِعْلَهُ فَيُقْتَدَى بِهِ وَيُسْأَلُ وَيُحْفَظُ عَنْهُ الْمَنَاسِكُ كَمَا ذُكِرَ فِي طَوَافِهِ رَاكِبًا، وَقَالَ ﵊ «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ، فَلَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ هَذَا الْعَامِ» وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ أَطْلَقَ اسْتِحْبَابَ الْمَشْيِ، قَالَ، يُسْتَحَبُّ الْمَشْيُ إلَى الْجِمَارِ، وَإِنْ رَكِبَ إلَيْهَا فَلَا بَأْسَ بِهِ وَالْمَشْيُ أَفْضَلُ.
وَتَظْهَرُ أَوْلَوِيَّتُهُ لِأَنَّا إذَا حَمَلْنَا رُكُوبَهُ ﵊ عَلَى مَا قُلْنَا يَبْقَى كَوْنُهُ مُؤَدِّيًا عِبَادَةً، وَأَدَاؤُهَا مَاشِيًا أَقْرَبُ إلَى التَّوَاضُعِ وَالْخُشُوعِ، وَخُصُوصًا فِي هَذَا الزَّمَانِ فَإِنَّ عَامَّةَ الْمُسْلِمِينَ مُشَاةٌ فِي جَمِيعِ الرَّمْيِ فَلَا يَأْمَنُ مِنْ الْأَذَى بِالرُّكُوبِ بَيْنَهُمْ لِلزَّحْمَةِ
(قَوْلُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عِنْدَهُ، ثُمَّ قِيلَ: يَلْزَمُهُ بِتَرْكِهِ مَبِيتَ لَيْلَةٍ مُدٌّ وَمُدَّانِ لِلَيْلَتَيْنِ وَدَمٌ لِثَلَاثٍ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ وَجَبَ) أَيْ ثَبَتَ إذْ هُوَ سُنَّةٌ عِنْدَنَا يَلْزَمُ بِتَرْكِهِ الْإِسَاءَةُ عَلَى مَا يُفِيدُهُ لَفْظُ الْكَافِي حَيْثُ اسْتَدَلَّ بِأَنَّ الْعَبَّاسَ ﵁ «اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ ﵊ فِي أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ فَأَذِنَ لَهُ»، ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute