قَالَ (وَالْمَرْأَةُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ كَالرَّجُلِ) لِأَنَّهَا مُخَاطَبَةٌ كَالرَّجُلِ (غَيْرَ أَنَّهَا لَا تَكْشِفُ رَأْسَهَا) لِأَنَّهُ عَوْرَةٌ (وَتَكْشِفُ وَجْهَهَا)
مَعْلُومًا عِنْدَ النَّاسِ.
وَصِحَّةُ الْإِذْنِ بِالْإِحْرَامِ عَنْ غَيْرِهِ لَا يَعْرِفُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمُتَفَقِّهَةِ فَكَيْفَ بِالْعَامِّيِّ وَهَذَا الْوَجْهُ يَعُمُّ مَنْعَ الرَّفِيقِ وَغَيْرِهِ نَصًّا وَالْأَوَّلُ دَلَالَةً. وَلَهُ أَنَّ عَقْدَ الرُّفْقَةِ اسْتِعَانَةُ كُلٍّ مِنْهُمْ بِكُلٍّ مِنْهُمْ فِيمَا يَعْجَزُ عَنْهُ فِي سَفَرِهِ، وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ بِهَذَا السَّفَرِ إلَّا الْإِحْرَامَ، وَهُوَ أَهَمُّهَا إنْ كَانَ مَثَلًا يُقْصَدُ التِّجَارَةَ مَعَ الْحَجِّ فَكَانَ عَقْدُ السَّفَرِ اسْتِعَانَةً فِيهِ إذَا عَجَزَ عَنْهُ كَمَا هُوَ فِي حِفْظِ الْأَمْتِعَةِ وَالدَّوَابِّ أَوْ أَقْوَى.
فَكَانَتْ دَلَالَةُ الْإِذْنِ ثَابِتَةً وَالْعِلْمُ بِجَوَازِهِ ثَابِتٌ نَظَرًا إلَى الدَّلِيلِ الَّذِي دَلَّ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ فِي الْإِحْرَامِ وَهُوَ كَوْنُهُ شَرْطًا وَالشَّرْطُ تَجْرِي فِيهِ النِّيَابَةُ، كَمَنْ أَجْرَى الْمَاءَ عَلَى أَعْضَاءِ مُحْدِثٍ فَإِنَّهُ يَصِيرُ بِذَلِكَ مُتَوَضِّئًا، أَوْ غَطَّى عَوْرَةَ عُرْيَانٍ فَإِنَّهُ يَصِيرُ بِذَلِكَ مُحَصِّلًا لِلشَّرْطِ، وَذَلِكَ أَنَّ الدَّلِيلَ الشَّرْعِيَّ مَنْصُوبٌ فَيُقَامُ وُجُودُهُ مَقَامَ الْعِلْمِ بِهِ فِي حَقِّ كُلِّ مَنْ كُلِّفَ بِطَلَبِ الْعِلْمِ، وَلِذَا لَا يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، بِخِلَافِ مَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَجَهِلَ وُجُوبَ الصَّلَاةِ مَثَلًا لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ.
فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يُجَرِّدُوهُ وَيُلْبِسُوهُ الْإِزَارَ وَالرِّدَاءَ لِأَنَّ النِّيَابَةَ ظَهَرَ أَنَّ مَعْنَاهَا إيجَادُ الشَّرْطِ فِي الْمَنُوبِ عَنْهُ كَالتَّوْضِئَةِ، لَكِنَّ الْوَاقِعَ أَنْ لَيْسَ مَعْنَى الْإِحْرَامِ عَنْهُ ذَلِكَ، بَلْ أَنْ يُحْرِمُوا هُمْ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ فَيَصِيرَ هُوَ مُحْرِمًا بِذَلِكَ الْإِحْرَامِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُجَرِّدُوهُ، حَتَّى إذَا أَفَاقَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَفْعَالُ وَالْكَفُّ عَنْ الْمَحْظُورَاتِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحْرِمَ بِنَفْسِهِ.
فَالْجَوَابُ التَّجْرِيدُ وَإِلْبَاسُ غَيْرِ الْمَخِيطِ لَيْسَ وِزَانَ التَّوْضِئَةِ الَّتِي هِيَ الشَّرْطُ، إذْ لَيْسَ ذَلِكَ الْإِحْرَامَ بَلْ كَفٌّ عَنْ بَعْضِ الْمَحْظُورَاتِ، أَعْنِي لُبْسَ الْمَخِيطِ، وَإِنَّمَا الْإِحْرَامُ وَصْفٌ شَرْعِيٌّ هُوَ صَيْرُورَتُهُ مُحْرِمًا عَلَيْهِ أَشْيَاءُ مُوجِبًا عَلَيْهِ الْمُضِيَّ فِي أَفْعَالٍ مَخْصُوصَةٍ. وَآلَةُ ثُبُوتِ هَذَا الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ الْمُسَمَّى بِالْإِحْرَامِ نِيَّةُ الْتِزَامِ نُسُكٍ مَعَ التَّلْبِيَةِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا. وَنِيَابَتُهُمْ إنَّمَا هِيَ بِذَلِكَ الْمَعْنَى فِي الشَّرْطِ، فَوَجَبَ كَوْنُ الَّذِي هُوَ إلَيْهِمْ أَنْ يَنْوُوا وَيُلَبُّوا عَنْهُ فَيَصِيرُ هُوَ بِذَلِكَ مُحْرِمًا، كَمَا لَوْ نَوَى هُوَ وَلَبَّى، وَيَنْتَقِلُ إحْرَامُهُمْ إلَيْهِ حَتَّى كَانَ لِلرَّفِيقِ أَنْ يُحْرِمَ عَنْ نَفْسِهِ مَعَ ذَلِكَ. وَإِذَا بَاشَرَ مَحْظُورَ الْإِحْرَامِ لَزِمَهُ جَزَاءٌ وَاحِدٌ، بِخِلَافِ الْقَارِنِ لِأَنَّهُ فِي إحْرَامَيْنِ وَهَذَا فِي إحْرَامٍ وَاحِدٍ لِانْتِقَالِ ذَلِكَ الْإِحْرَامِ إلَى الْمَنُوبِ عَنْهُ شَرْعًا.
وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِيمَا لَوْ اسْتَمَرَّ مُغْمًى عَلَيْهِ إلَى وَقْتِ أَدَاءِ الْأَفْعَالِ، هَلْ يَجِبُ أَنْ يَشْهَدُوا بِهِ الْمَشَاهِدَ فَيُطَافُ بِهِ وَيُسْعَى وَيُوقَفَ أَوْ لَا بَلْ مُبَاشَرَةُ الرُّفْقَةِ لِذَلِكَ عَنْهُ تُجْزِيهِ، فَاخْتَارَ طَائِفَةٌ الْأَوَّلَ، وَعَلَيْهِ يَمْشِي التَّقْرِيرُ الْمَذْكُورُ، وَاخْتَارَ آخَرُونَ الثَّانِيَ وَجَعَلَهُ فِي الْمَبْسُوطِ الْأَصَحَّ وَإِنَّمَا ذَلِكَ أَوْلَى لَا مُتَعَيَّنٌ. وَعَلَى هَذَا يَجِبُ كَوْنُ الدَّلِيلِ الَّذِي دَلَّ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ فِي الْإِحْرَامِ الَّذِي أُقِيمَ وُجُودُهُ مَقَامَ الْعِلْمِ بِهِ هُوَ كَوْنُ هَذِهِ الْعِبَادَةِ: أَعْنِي الْحَجَّ عَنْ نَفْسِهِ مِمَّا تَجْرِي فِيهِ النِّيَابَةُ عِنْدَ الْعَجْزِ كَمَا فِي اسْتِنَابَةِ الَّذِي زَمِنَ بَعْدَ الْقُدْرَةِ وَأَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فَأَوْصَى بِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ إنْ أَفَاقَ قَبْلَ الْأَفْعَالِ تَبَيَّنَ أَنَّ عَجْزَهُ كَانَ فِي الْإِحْرَامِ فَقَطْ فَصَحَّتْ نِيَابَتُهُمْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَا فِيهِ ثُمَّ يَجْرِي هُوَ بِنَفْسِهِ عَلَى مُوجِبِهِ، فَإِنْ لَمْ يُفِقْ تَحَقَّقَ عَجْزُهُ عَنْ الْكُلِّ فَأَجْرَوْا هُمْ عَلَى مُوجِبِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الرَّفِيقَ بِفِعْلِ الْمَحْظُورَاتِ شَيْءٌ عَنْ هَذَا الْإِحْرَامِ، بِخِلَافِ النَّائِبِ فِي الْحَجِّ عَنْ الْمَيِّتِ، وَلِأَنَّهُ يَتَوَقَّعُ إفَاقَةَ هَذَا فِي كُلِّ سَاعَةٍ، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ الْأَدَاءُ بِنَفْسِهِ لِعَدَمِ الْعَجْزِ فَنَقَلْنَا الْإِحْرَامَ إلَيْهِ، لِأَنَّا لَوْ لَمْ نَنْقُلْ الْإِحْرَامَ إلَيْهِ مَعَ هَذَا الِاحْتِمَالِ لَفَاتَهُ الْحَجُّ إذَا أَفَاقَ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، وَهُوَ أَنْ يُفِيقَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute