للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بَعْدَ يَوْمِ عَرَفَةَ لِعَدَمِ الْعَجْزِ عَنْ بَاقِي الْأَفْعَالِ مَعَ الْعَجْزِ عَنْ تَجْدِيدِ الْإِحْرَامِ لِلْأَدَاءِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ.

وَمَا جُعِلَ عَقْدُ الرُّفْقَةِ أَوْ الْعِلْمِ بِحَالِهِ دَلِيلَ الْإِذْنِ إلَّا كَيْ لَا يَفُوتَ مَقْصُودُهُ مِنْ هَذَا السَّفَرِ، بِخِلَافِ الْمَيِّتِ انْتَفَى فِيهِ ذَلِكَ فَانْتَفَى مُوجِبُ النَّقْلِ عَنْ الْمُبَاشِرِ لِلْإِحْرَامِ. وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: إذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَطِيفَ بِهِ الْمَنَاسِكَ فَإِنَّهُ يُجْزِيهِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا لِأَنَّهُ هُوَ الْفَاعِلُ وَقَدْ سَبَقَتْ النِّيَّةُ مِنْهُ، فَهُوَ كَمَنْ نَوَى الصَّلَاةَ فِي ابْتِدَائِهَا ثُمَّ أَدَّى الْأَفْعَالَ سَاهِيًا لَا يَدْرِي مَا يَفْعَلُ أَجْزَأَهُ لِسَبْقِ النِّيَّةِ اهـ.

وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ اشْتِرَاطُ النِّيَّةِ لِبَعْضِ أَرْكَانِ هَذِهِ الْعِبَادَةِ وَهُوَ الطَّوَافُ. بِخِلَافِ سَائِرِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَلَمْ تُوجَدْ مِنْهُ هَذِهِ النِّيَّةُ. وَالْأَوْلَى فِي التَّعْلِيلِ أَنَّ جَوَازَ الِاسْتِنَابَةِ فِيمَا يَعْجَزُ عَنْهُ ثَابِتٌ بِمَا قُلْنَا. فَتَجُوزُ النِّيَابَةُ فِي هَذِهِ الْأَفْعَالِ. وَيُشْتَرَطُ نِيَّتُهُمْ الطَّوَافَ إذَا حَمَلُوهُ فِيهِ كَمَا تُشْتَرَطُ نِيَّتُهُ، إلَّا أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي عَدَمَ تَعَيُّنِ حَمْلِهِ وَالشُّهُودِ، وَلَا أَعْلَمُ تَجْوِيزَ ذَلِكَ عَنْهُمْ. فِي الْمُنْتَقَى.

رَوَى عِيسَى بْنُ أَبَانَ عَنْ مُحَمَّدٍ : رَجُلٌ أَحْرَمَ وَهُوَ صَحِيحٌ ثُمَّ أَصَابَهُ عَتَهٌ فَقَضَى بِهِ أَصْحَابُهُ الْمَنَاسِكَ وَوَقَفُوا بِهِ فَلَبِثَ بِذَلِكَ سِنِينَ ثُمَّ أَفَاقَ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ. قَالَ: وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ إذَا قَدِمَ مَكَّةَ وَهُوَ صَحِيحٌ أَوْ مَرِيضٌ إلَّا أَنَّهُ يَعْقِلُ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَحَمَلَهُ أَصْحَابُهُ وَهُوَ مُغْمًى عَلَيْهِ فَطَافُوا بِهِ فَلَمَّا قَضَى الطَّوَافَ أَوْ بَعْضَهُ أَفَاقَ وَقَدْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ وَلَمْ يُتِمَّ يَوْمًا أَجْزَأَهُ عَنْ طَوَافِهِ.

وَفِيهِ أَيْضًا: لَوْ أَنَّ رَجُلًا مَرِيضًا لَا يَسْتَطِيعُ الطَّوَافَ إلَّا مَحْمُولًا وَهُوَ يَعْقِلُ نَامَ مِنْ غَيْرِ عَتَهٍ فَحَمَلَهُ أَصْحَابُهُ وَهُوَ نَائِمٌ فَطَافُوا بِهِ، أَوْ أَمَرَهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُ وَيَطُوفُوا بِهِ فَلَمْ يَفْعَلُوا حَتَّى نَامَ ثُمَّ احْتَمَلُوهُ وَهُوَ نَائِمٌ فَطَافُوا بِهِ أَوْ حَمَلُوهُ حِينَ أَمَرَهُمْ بِحَمْلِهِ وَهُوَ مُسْتَيْقِظٌ فَلَمْ يَدْخُلُوا بِهِ الطَّوَافَ حَتَّى نَامَ فَطَافُوا بِهِ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ.

رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُمْ إذَا طَافُوا بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ لَا يُجْزِيهِ، وَلَوْ أَمَرَهُمْ ثُمَّ نَامَ فَحَمَلُوهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَطَافُوا بِهِ أَجْزَأَهُ، وَكَذَلِكَ إنْ دَخَلُوا بِهِ الطَّوَافَ أَوْ تَوَجَّهُوا بِهِ نَحْوَهُ فَنَامَ وَطَافُوا بِهِ أَجْزَأَهُ. وَلَوْ قَالَ لِبَعْضِ مَنْ عِنْدَهُ: اسْتَأْجِرْ لِي مَنْ يَطُوفُ بِي وَيَحْمِلُنِي ثُمَّ غَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ وَنَامَ وَلَمْ يَمْضِ الَّذِي أَمَرَهُ بِذَلِكَ مِنْ فَوْرِهِ بَلْ تَشَاغَلَ بِغَيْرِهِ طَوِيلًا ثُمَّ اسْتَأْجَرَ قَوْمًا يَحْمِلُونَهُ وَأَتَوْهُ وَهُوَ نَائِمٌ فَطَافُوا بِهِ قَالَ: أَسْتَحْسِنُ إذَا كَانَ عَلَى فَوْرِهِ ذَلِكَ أَنَّهُ يَجُوزُ.

فَأَمَّا إذَا طَالَ ذَلِكَ وَنَامَ فَأَتَوْهُ وَحَمَلُوهُ وَهُوَ نَائِمٌ لَا يُجْزِيهِ عَنْ الطَّوَافِ، وَلَكِنَّ الْإِحْرَامَ لَازِمٌ بِالْأَمْرِ. قَالَ: وَالْقِيَاسُ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنْ لَا يُجْزِيهِ حَتَّى يَدْخُلَ الطَّوَافَ وَهُوَ مُسْتَيْقِظٌ يَنْوِي الدُّخُولَ فِيهِ، لَكِنَّا اسْتَحْسَنَّا إذَا حَضَرَ ذَلِكَ فَنَامَ وَقَدْ أَمَرَ أَنْ يُحْمَلَ فَطَافَ بِهِ أَنَّهُ يُجْزِيهِ.

وَحَاصِلُ هَذِهِ الْفُرُوعِ الْفَرْقُ بَيْنَ النَّائِمِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ فِي اشْتِرَاطِ صَرِيحِ الْإِذْنِ وَعَدَمِهِ، ثُمَّ فِي النَّائِمِ قِيَاسٌ وَاسْتِحْسَانٌ. اسْتَأْجَرَ رِجَالًا فَحَمَلُوا امْرَأَةً فَطَافُوا بِهَا وَنَوَوْا الطَّوَافَ أَجْزَأَهُمْ وَلَهُمْ الْأُجْرَةُ وَأَجْزَأَ الْمَرْأَةَ. وَإِنْ نَوَى الْحَامِلُونَ طَلَبَ غَرِيمٍ لَهُمْ الْمَحْمُولُ يَعْقِلُ وَقَدْ نَوَى الطَّوَافَ أَجْزَأَ الْمَحْمُولُ دُونَ الْحَامِلِينَ، وَإِنْ كَانَ مُغْمًى عَلَيْهِ لَمْ يُجْزِهِ لِانْتِفَاءِ النِّيَّةِ مِنْهُ وَمِنْهُمْ. أَمَّا جَوَازُ الطَّوَافِ فَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ حِينَ أَحْرَمَتْ نَوَتْ الطَّوَافَ ضِمْنًا، وَإِنَّمَا تُرَاعَى النِّيَّةُ وَقْتَ الْإِحْرَامِ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْعَقْدِ عَلَى الْأَدَاءِ. وَأَمَّا اسْتِحْقَاقُ الْأَجْرِ فَلِأَنَّ الْإِجَارَةَ وَقَعَتْ عَلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ وَضْعًا، وَإِذَا حَمَلُوهَا وَطَافُوا وَلَا يَنْوُونَ الطَّوَافَ بَلْ طَلَبَ غَرِيمٍ لَا يُجْزِيهَا إذَا كَانَتْ مُغْمًى عَلَيْهَا لِأَنَّهُمْ مَا أَتَوْا بِالطَّوَافِ وَإِنَّمَا أَتَوْا بِطَلَبِ الْغَرِيمِ وَالْمُنْتَقَلُ إلَيْهَا إنَّمَا هُوَ فِعْلُهُمْ فَلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>