مُحْرِمًا) لِأَنَّ التَّجْلِيلَ لِدَفْعِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالذُّبَابِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ خَصَائِصِ الْحَجِّ. وَالْإِشْعَارُ مَكْرُوهٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَلَا يَكُونُ مِنْ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ. وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَ حَسَنًا فَقَدْ يُفْعَلُ لِلْمُعَالَجَةِ، بِخِلَافِ التَّقْلِيدِ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْهَدْيِ، وَتَقْلِيدُ الشَّاةِ غَيْرُ مُعْتَادٍ وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ أَيْضًا.
قَالَ (وَالْبُدْنُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀: مِنْ الْإِبِلِ خَاصَّةً لِقَوْلِهِ ﵊ فِي حَدِيثِ الْجُمُعَةِ «فَالْمُتَعَجِّلُ مِنْهُمْ كَالْمُهْدِي بَدَنَةً، وَاَلَّذِي يَلِيهِ كَالْمُهْدِي بَقَرَةً» فَصَلَ بَيْنَهُمَا. وَلَنَا أَنَّ الْبَدَنَةَ تُنْبِئُ عَنْ الْبَدَانَةِ وَهِيَ الضَّخَامَةُ، وَقَدْ اشْتَرَكَا فِي هَذَا الْمَعْنَى وَلِهَذَا يُجْزِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ سَبْعَةٍ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الرِّوَايَةِ فِي الْحَدِيثِ «كَالْمُهْدِي جَزُورًا» وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
يَعْنِي حِينَ خَرَجَ عَلَى إثْرِهَا وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْهَا اسْتِحْسَانًا. وَهُنَا قَيْدٌ لَا بُدَّ مِنْهُ وَهُوَ أَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ مُحْرِمًا فِي هَدْيِ الْمُتْعَةِ بِالتَّقْلِيدِ، وَالتَّوَجُّهِ إذَا حَصَلَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَإِنْ حَصَلَا فِي غَيْرِهَا لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا مَا لَمْ يُدْرِكْهَا وَيَسِرْ مَعَهَا، كَذَا فِي الرُّقَيَّاتِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ تَقْلِيدَ هَدْيِ الْمُتْعَةِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَا عِبْرَةَ بِهِ مِنْ أَفْعَالِ الْمُتْعَةِ، وَأَفْعَالُ الْمُتْعَةِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَا يُعْتَدُّ بِهَا فَيَكُونُ تَطَوُّعًا. وَفِي هَدْيِ التَّطَوُّعِ مَا لَمْ يُدْرِكْهُ وَيَسِرْ مَعَهُ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا.
وَذَكَرَ أَبُو الْيُسْرِ: دَمُ الْقِرَانِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كَالْمُتْعَةِ، وَجْهُ الْقِيَاسِ ظَاهِرٌ. وَحَاصِلُ وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ زِيَادَةُ خُصُوصِيَّةِ هَدْيِ الْمُتْعَةِ بِالْحَجِّ، فَالتَّوَجُّهُ إلَيْهِ تَوَجُّهٌ إلَى مَا فِيهِ زِيَادَةُ خُصُوصِيَّةٍ بِالْحَجِّ حَتَّى شَرَطَ لِذَبْحِهِ الْحَرَمَ وَيَبْقَى بِسَبَبِ سَوْقِهِ الْإِحْرَامُ، فَلَمَّا ظَهَرَ أَثَرُهُ فِي الْإِحْرَامِ بَقَاءً أَظْهَرْنَا لَهُ فِي ابْتِدَائِهِ نَوْعَ اخْتِصَاصٍ، وَهُوَ أَنَّ بِالتَّوَجُّهِ إلَيْهِ مَعَ قَصْدِ الْإِحْرَامَ يَصِيرُ مُحْرِمًا، بِخِلَافِ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ قَدْ يَجِبُ بِالْجِنَايَةِ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَى مَكَّةَ وَيَذْبَحُ قَبْلَ مَكَّةَ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ أَثَرٌ شَرْعًا فِي الْإِحْرَامِ أَصْلًا
(قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إلَخْ) هَذَا خِلَافٌ فِي مَفْهُومِ لَفْظِ الْبَدَنَةِ إمَّا فِي أَنَّهُ هَلْ هُوَ فِي اللُّغَةِ كَذَلِكَ أَوْ لَا فَقُلْنَا نَعَمْ وَنَقَلْنَا كَلَامَ أَهْلِ اللُّغَةِ فِيهِ. قَالَ الْخَلِيلُ: الْبَدَنَةُ نَاقَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ تُهْدَى إلَى مَكَّةَ. قَالَ النَّوَوِيُّ: هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ اللُّغَةِ.
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْبَدَنَةُ نَاقَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ. وَإِمَّا فِي أَنَّهُ فِي اللُّغَةِ كَذَلِكَ اتِّفَاقًا، وَلَكِنَّهُ هَلْ هُوَ فِي الشَّرْعِ عَلَى الْمَفْهُومِ مِنْهُ لُغَةً؟ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ أَوْ لَا فَقُلْنَا نَعَمْ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا. فَإِذَا طُلِبَ مِنْ الْمُكَلَّفِ بَدَنَةٌ خَرَجَ عَنْ الْعُهْدَةِ بِالْبَقَرَةِ كَمَا يَخْرُجُ بِالْجَزُورِ. وَعِنْدَهُ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِالْجَزُورِ. لَهُ قَوْلُهُ ﵊ «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً» الْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الرِّوَايَةِ فِي الْحَدِيثِ كَالْمُهْدِي جَزُورًا غَيْرُ صَحِيحٍ، بَلْ هِيَ أَصَحُّ لِأَنَّهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا، وَرِوَايَةُ الْجَزُورِ فِي مُسْلِمٍ فَقَطْ وَلَفْظُهُ أَنَّهُ ﵊ قَالَ «عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ مَلَكٌ يَكْتُبُ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ مِثْلُ الْجَزُورِ، ثُمَّ صَغَّرَ إلَى مِثْلِ الْبَيْضَةِ» الْحَدِيثَ.
بَلْ الْجَوَابُ أَنَّ التَّخْصِيصَ بِاسْمٍ خَاصٍّ لَا يَنْفِي الدُّخُولَ بِاسْمٍ عَامٍّ، وَغَايَةُ مَا يَلْزَمُ مِنْ الْحَدِيثِ أَنَّهُ أَرَادَ بِالِاسْمِ الْأَعَمِّ فِي الْأَوَّلِ وَهُوَ الْبَدَنَةُ خُصُوصَ بَعْضِ مَا يَصْلُحُ لَهُ وَهُوَ الْجَزُورُ، لَا كُلُّ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ بِقَرِينَةِ إعْطَاءِ الْبَقَرَةِ لِمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فِي مَقَامَ إظْهَارِ التَّفَاوُتِ فِي الْأَجْرِ لِلتَّفَاوُتِ فِي الْمُسَارَعَةِ، وَهَذَا لَا يَسْتَلْزِمُ أَنَّهُ فِي الشَّرْعِ خُصُوصُ الْجَزُورِ إلَّا ظَاهِرًا بِنَاءً عَلَى إرَادَةِ الْأَخَصِّ بِخُصُوصِهِ بِالْأَعَمِّ لَكِنْ يَلْزَمُهُ النَّقْلُ.
وَالْحُكْمُ بِاسْتِعْمَالِ لَفْظٍ فِي خُصُوصِ بَعْضِ مَا صَدَقَاتِهِ مَعَ الْحُكْمِ بِبَقَاءِ مَا اسْتَقَرَّ