للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْهُ إلَّا مُجَرَّدَ النِّيَّةِ، وَبِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا، فَإِذَا أَدْرَكَهَا وَسَاقَهَا أَوْ أَدْرَكَهَا فَقَدْ اقْتَرَنَتْ نِيَّتُهُ بِعَمَلٍ هُوَ مِنْ خَصَائِصِ الْإِحْرَامِ فَيَصِيرُ مُحْرِمًا كَمَا لَوْ سَاقَهَا فِي الِابْتِدَاءِ. قَالَ (إلَّا فِي بَدَنَةِ الْمُتْعَةِ فَإِنَّهُ مُحْرِمٌ حِينَ تَوَجَّهَ) مَعْنَاهُ إذَا نَوَى الْإِحْرَامَ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ. وَجْهُ الْقِيَاسِ فِيهِ مَا ذَكَرْنَا.

وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذَا الْهَدْيَ مَشْرُوعٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ نُسُكًا مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ وَضْعًا لِأَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِمَكَّةَ، وَيَجِبُ شُكْرًا لِلْجَمْعِ بَيْنَ أَدَاءِ النُّسُكَيْنِ، وَغَيْرُهُ قَدْ يَجِبُ بِالْجِنَايَةِ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَى مَكَّةَ فَلِهَذَا اكْتَفَى فِيهِ بِالتَّوَجُّهِ، وَفِي غَيْرِهِ تَوَقُّفٌ عَلَى حَقِيقَةِ الْفِعْلِ

(فَإِنْ جَلَّلَ بَدَنَةً أَوْ أَشْعَرَهَا أَوْ قَلَّدَ شَاةً لَمْ يَكُنْ

- فَيَبْعَثُ هَدْيَهُ إلَى الْكَعْبَةِ، فَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا أُحِلَّ لِلرَّجُلِ مِنْ أَهْلِهِ حَتَّى يَرْجِعَ النَّاسُ» اهـ.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «مِنْ أَهْدَى هَدْيًا حَرُمَ عَلَيْهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْحَاجِّ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: : لَيْسَ كَمَا قَالَ، أَنَا فَتَلْت قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ بِيَدِي ثُمَّ قَلَّدَهَا ثُمَّ بَعَثَ بِهَا مَعَ أَبِي فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ حَتَّى نَحَرَ الْهَدْيَ» وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ يُخَالِفَانِ حَدِيثَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَطَاءٍ صَرِيحًا فَيَجِبُ الْحُكْمُ بِغَلَطِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ التَّقْلِيدَ مَعَ عَدَمِ التَّوَجُّهِ مَعَهَا لَا يُوجِبُ الْإِحْرَامَ.

وَأَمَّا مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْآثَارِ مُطْلَقَةً فِي إثْبَاتِ الْإِحْرَامِ فَقَيَّدْنَاهَا بِهِ حَمْلًا لَهَا عَلَى مَا إذَا كَانَ مُتَوَجِّهًا جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَشَرَطْنَا النِّيَّةَ مَعَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا عِبَادَةَ إلَّا بِالنِّيَّةِ بِالنَّصِّ فَكُلُّ شَيْءٍ رُوِيَ مِنْ التَّقْلِيد مَعَ عَدَمِ الْإِحْرَامِ، فَمَا كَانَ مَحَلُّهُ إلَّا فِي حَالِ عَدَمِ التَّوَجُّهِ وَالنِّيَّةِ فَلَا يُعَارِضُ الْمَذْكُورَ شَيْءٌ مِنْهَا.

وَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: لَوْ لَبَّى وَلَمْ يَنْوِ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا فِي الرِّوَايَةِ الظَّاهِرَةِ مُشْعِرٌ بِأَنَّ هُنَاكَ رِوَايَةً بِعَدَمِ اشْتِرَاطِهَا مَعَ التَّلْبِيَةِ، وَمَا أَظُنُّهُ إلَّا نَظَرَ إلَى بَعْضِ الْإِطْلَاقَاتِ، وَيَجِبُ فِي مِثْلِهَا الْحَمْلُ عَلَى إرَادَةِ الصَّحِيحِ وَأَنْ لَا تُجْعَلَ رِوَايَةً (قَوْلُهُ فَإِذَا أَدْرَكَهَا وَسَاقَهَا أَوْ أَدْرَكَهَا) رَدَّدَ بَيْنَ السَّوْقِ وَعَدَمِهِ لِاخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ فِيهِ. شَرَطَ فِي الْمَبْسُوطِ السَّوْقَ مَعَ اللُّحُوقِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ.

وَقَالَ فِي الْأَصْلِ: وَيَسُوقُهُ وَيَتَوَجَّهُ مَعَهُ وَهُوَ أَمْرٌ اتِّفَاقِيٌّ، فَلَوْ أَدْرَكَ فَلَمْ يَسُقْ وَسَاقَ غَيْرُهُ فَهُوَ كَسَوْقِهِ لِأَنَّ فِعْلَ الْوَكِيلِ بِحَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ كَفِعْلِ الْمُوَكِّلِ (قَوْلُهُ إلَّا فِي هَدْيِ الْمُتْعَةِ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ لَمْ يَصِرْ مُحْرِمًا حَتَّى يَلْحَقَهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>