للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

«الْقِرَانُ رُخْصَةٌ» وَلِأَنَّ فِي الْإِفْرَادِ زِيَادَةَ التَّلْبِيَةِ وَالسَّفَرَ وَالْحَلْقَ

أَعَمُّ مِنْ الْقِرَانِ كَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَإِذَا كَانَ أَعَمَّ مِنْهُ احْتَمَلَ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْفَرْدُ الْمُسَمَّى بِالْقِرَانِ فِي الِاصْطِلَاحِ الْحَادِثِ وَهُوَ مُدَّعَانَا، وَأَنْ يُرَادَ بِهِ الْفَرْدُ الْمَخْصُوصُ بِاسْمِ التَّمَتُّعِ فِي ذَلِكَ الِاصْطِلَاحِ، فَعَلَيْنَا أَنْ نَنْظُرَ أَوَّلًا فِي أَنَّهُ أَعَمُّ فِي عُرْفِ الصَّحَابَةِ أَوْ لَا، وَثَانِيًا فِي تَرْجِيحِ أَيِّ الْفَرْدَيْنِ بِالدَّلِيلِ، وَالْأَوَّلُ يَبِينُ فِي ضِمْنِ التَّرْجِيحِ وَثَمَّ دَلَالَاتٌ أُخَرُ عَلَى التَّرْجِيحِ مُجَرَّدَةٌ عَنْ بَيَانِ عُمُومِهِ عُرْفًا.

أَمَّا الْأَوَّلُ فَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: اجْتَمَعَ عَلِيٌّ وَعُثْمَانُ بِعُسْفَانَ فَكَانَ عُثْمَانُ يَنْهَى عَنْ الْمُتْعَةِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: مَا تُرِيدُ إلَى أَمْرٍ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ تَنْهَى عَنْهُ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ: دَعْنَا مِنْك، فَقَالَ عَلِيٌّ: إنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَدَعَك، فَلَمَّا رَأَى عَلِيٌّ ذَلِكَ أَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا. هَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ.

وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ: اخْتَلَفَ عَلِيٌّ وَعُثْمَانُ بِعُسْفَانَ فِي الْمُتْعَةِ فَقَالَ عَلِيٌّ مَا تُرِيدُ إلَّا أَنْ تَنْهَى عَنْ أَمْرٍ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَلِيٌّ أَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا فَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَانَ مُهِلًّا بِهِمَا، وَسَيَأْتِيك عَنْ عَلِيٍّ التَّصْرِيحُ بِهِ، وَيُفِيدُ أَيْضًا أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا تَمَتُّعٌ، فَإِنَّ عُثْمَانَ كَانَ يَنْهَى عَنْ الْمُتْعَةِ وَقَصَدَ عَلِيٌّ إظْهَارَ مُخَالَفَتِهِ تَقْرِيرًا لِمَا فَعَلَهُ ، وَأَنَّهُ لَمْ يُنْسَخْ فَقَرَنَ، وَإِنَّمَا تَكُونُ مُخَالَفَةً إذَا كَانَتْ الْمُتْعَةُ الَّتِي نَهَى عَنْهَا عُثْمَانُ هِيَ الْقِرَانُ فَدَلَّ عَلَى الْأَمْرَيْنِ اللَّذَيْنِ عَيَّنَاهُمَا وَتَضَمَّنَ اتِّفَاقُ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ عَلَى أَنَّ الْقِرَانَ مِنْ مُسَمَّى التَّمَتُّعِ، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ حَمْلُ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: «تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى التَّمَتُّعِ الَّذِي نُسَمِّيهِ قِرَانًا» لَوْ لَمْ يَكُنْ عَنْهُ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ اللَّفْظَ، فَكَيْفَ وَقَدْ وُجِدَ عَنْهُ مَا يُفِيدُ مَا قُلْنَاهُ، وَهُوَ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ قَرَنَ الْحَجَّ مَعَ الْعُمْرَةِ وَطَافَ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ » فَظَهَرَ أَنَّ مُرَادَهُ بِلَفْظِ الْمُتْعَةِ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ الْفَرْدُ الْمُسَمَّى بِالْقِرَانِ، وَكَذَا يَلْزَمُ مِثْلُ هَذَا فِي قَوْلِ عِمْرَانِ بْنِ حُصَيْنٍ «تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ وَتَمَتَّعْنَا مَعَهُ» لَوْ لَمْ يُوجَدْ عَنْهُ غَيْرُ ذَلِكَ فَكَيْفَ وَقَدْ وُجِدَ، وَهُوَ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ لِمُطَرِّفٍ: أُحَدِّثُك حَدِيثًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَنْفَعَك بِهِ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ جَمَعَ بَيْنَ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ ثُمَّ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ حَتَّى مَاتَ وَلَمْ يَنْزِلْ قُرْآنٌ يُحَرِّمُهُ» وَكَذَا يَجِبُ مِثْلُ مَا قُلْنَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ ، إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ، لَوْ لَمْ يُوجَدْ عَنْهَا مَا يُخَالِفُهُ فَكَيْفَ وَقَدْ وَجَدَ، مَا هُوَ ظَاهِرٌ فِيهِ، وَهُوَ مَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ النُّفَيْلِيِّ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ.

حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ مُجَاهِدٍ، سُئِلَ ابْنُ عُمَرَ : «كَمْ اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ: مَرَّتَيْنِ»، فَقَالَتْ عَائِشَةُ : لَقَدْ عَلِمَ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ اعْتَمَرَ ثَلَاثًا سِوَى الَّتِي قَرَنَ بِحَجَّتِهِ.

وَكَذَا مَا فِي مُسْلِمٍ مِنْ أَنَّ أَبَا مُوسَى كَانَ يُفْتِي بِالْمُتْعَةِ: يَعْنِي بِقِسْمَيْهَا. وَقَوْلُ عُمَرَ لَهُ: قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ فَعَلَهُ وَأَصْحَابُهُ: أَيْ فَعَلُوا مَا يُسَمَّى مُتْعَةً فَهُوَ فَعَلَ النَّوْعَ الْمُسَمَّى بِالْقِرَانِ وَهُمْ فَعَلُوا النَّوْعَ الْمَخْصُوصَ بِاسْمِ الْمُتْعَةِ فِي عُرْفِنَا بِوَاسِطَةِ فَسْخِ الْحَجِّ إلَى عُمْرَةٍ. وَيَدُلُّ عَلَى اعْتِرَافِ عُمَرَ بِهِ عَنْهُ مَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عُمَرَ قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ بِوَادِي الْعَقِيقِ يَقُولُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي ﷿ فَقَالَ صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ رَكْعَتَيْنِ وَقُلْ عُمْرَةً فِي حَجَّةٍ» وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ امْتِثَالِ مَا أُمِرَ بِهِ فِي مَنَامِهِ الَّذِي هُوَ وَحْيٌ.

وَمَا فِي أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ الْأَعْمَشِ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ الصُّبَيّ بْنِ مَعْبَدٍ التَّغْلِبِيِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>