للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلِأَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ فَأَشْبَهَ الصَّوْمَ مَعَ الِاعْتِكَافِ وَالْحِرَاسَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَعَ صَلَاةِ اللَّيْلِ. وَالتَّلْبِيَةُ غَيْرُ مَحْصُورَةٍ

تَنْهَى عَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: بَلَى، وَلَكِنَّنِي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يُلَبِّي جَمِيعًا فَلَمْ أَدَعْ فِعْلَ رَسُولِ اللَّهِ لِقَوْلِكَ»، وَهَذَا مَا وَعَدْنَاك مِنْ الصَّرِيحِ عَنْ عَلِيٍّ. وَرَوَى أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ جَمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ» وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ فِيهِ الْحُجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ، وَفِيهِ مَقَالٌ، وَلَا يَنْزِلُ حَدِيثُهُ عَنْ الْحَسَنِ مَا لَمْ يُخَالِفْ أَوْ يَنْفَرِدْ.

قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: مَا بَقِيَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَحَدٌ أَعْرَفُ بِمَا يَخْرُجُ مِنْ رَأْسِهِ مِنْهُ وَعِيبَ عَلَيْهِ التَّدْلِيسُ وَقَالَ: مَنْ سَلِمَ مِنْهُ. وَقَالَ أَحْمَدُ: كَانَ مِنْ الْحُفَّاظِ. وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ، لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَهُوَ صَدُوقٌ يُدَلِّسُ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: إذَا قَالَ حَدَّثَنَا فَهُوَ صَالِحٌ لَا يُرْتَابُ فِي حِفْظِهِ، وَهَذِهِ الْعِبَارَاتُ لَا تُوجِبُ طَرْحَ حَدِيثِهِ.

وَرَوَى أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ الْهِرْمَاسِ بْنِ زِيَادٍ الْبَاهِلِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَرَنَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ» وَرَوَى الْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إلَى ابْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: إنَّمَا «جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ عَامِهِ ذَلِكَ».

وَرَوَى أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَرَنَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَطَافَ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا» وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: «أَهِلُّوا يَا آلَ مُحَمَّدٍ بِعُمْرَةٍ فِي حَجٍّ» وَهُوَ الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكِتَابِ.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ عَنْ «حَفْصَةَ قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بَالُ النَّاسِ حَلُّوا وَلَمْ تَحِلَّ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ؟ قَالَ: إنِّي قَلَّدْتَ هَدْيِي» الْحَدِيثَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي عُمْرَةٍ يَمْتَنِعُ مِنْهَا التَّحَلُّلُ قَبْلَ تَمَامِ أَعْمَالِ الْحَجِّ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ إلَّا لِلْقَارِنِ فَهَذَا وَجْهٌ إلْزَامِيٌّ، فَإِنَّ سَوْقَ الْهَدْيِ عِنْدَ هُمَا لَا يَمْنَعُ الْمُتَمَتِّعَ عَنْ التَّحَلُّلِ، وَالِاسْتِقْصَاءُ وَاسِعٌ، وَفِيمَا ذَكَرْنَا كِفَايَةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. هَذَا وَمِمَّا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بِهِ بَيْنَ رِوَايَاتِ الْإِفْرَادِ وَالتَّمَتُّعِ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ رِوَايَاتِ الْإِفْرَادِ سَمَاعَ مَنْ رَوَاهُ تَلْبِيَتَهُ بِالْحَجِّ وَحْدَهُ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ إفْرَادِ ذِكْرِ نُسُكٍ فِي التَّلْبِيَةِ وَعَدَمِ ذِكْرِ شَيْءٍ أَصْلًا وَجَمْعِهِ أُخْرَى مَعَ نِيَّةِ الْقِرَانِ فَهُوَ نَظِيرُ سَبَبِ الِاخْتِلَافِ فِي تَلْبِيَتِهِ أَكَانَتْ دُبُرَ الصَّلَاةِ أَوْ اسْتِوَاءَ نَاقَتِهِ أَوْ حِينَ عَلَا عَلَى الْبَيْدَاءِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي أَوَائِلِ بَابِ الْإِحْرَامِ. هَذَا وَأَمَّا أَنَّهُ حِينَ قَرَنَ طَافَ طَوَافَيْنِ وَسَعَى سَعْيَيْنِ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ، وَلْنَرْجِعْ إلَى تَقْرِيرِ التَّرْجِيحَاتِ الْمَعْنَوِيَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ) أَيْ الْقِرَانَ (جَمَعَ بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ فَأَشْبَهَ الصَّوْمَ مَعَ الِاعْتِكَافِ وَالْحِرَاسَةَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَعَ صَلَاةِ اللَّيْلِ) وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ فِي الْأَدَاءِ مُتَعَذِّرٌ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ مَعَ الِاعْتِكَافِ وَالْحِرَاسَةِ مَعَ الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا حَقِيقَةٌ فِي الْإِحْرَامِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ الْأَرْكَانِ عِنْدَنَا بَلْ شَرْطٌ فَلَا يَتِمُّ التَّشْبِيهُ.

وَأَيْضًا عَلِمْت أَنَّ مَوْضِعَ الْخِلَافِ مَا إذَا أَتَى بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، لَكِنْ أَفْرَدَ كُلًّا مِنْهُمَا فِي سُفْرَةٍ وَاحِدَةٍ يَكُونُ الْقِرَانُ وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ إحْرَامَيْهِمَا أَفْضَلَ، فَمُلَاقَاةُ التَّشْبِيهِ تَكُونُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا صَامَ يَوْمًا بِلَا اعْتِكَافٍ ثُمَّ اعْتَكَفَ يَوْمًا آخَرَ بِلَا صَوْمٍ أَوْ حَرَسَ لَيْلَةً بِلَا صَلَاةٍ وَصَلَّى لَيْلَةً بِلَا حِرَاسَةٍ يَكُونُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَفْضَلُ، وَهَذَا لَيْسَ بِضَرُورِيٍّ فَيَحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ وَلَا يَكُونُ إلَّا بِسَمْعٍ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْأَثْوِبَةِ وَالْأَفْضَلِيَّةِ لَا يَكُونُ إلَّا بِهِ.

(قَوْلُهُ وَالتَّلْبِيَةُ إلَخْ) دَفْعٌ لِتَرْجِيحِ الْإِفْرَادِ بِزِيَادَةِ التَّلْبِيَةِ وَالسَّفَرِ وَالْحَلْقِ، فَقَالَ (التَّلْبِيَةُ غَيْرُ مَحْصُورَةٍ) يَعْنِي لَا يَلْزَمُ زِيَادَتُهَا فِي الْإِفْرَادِ عَلَى الْقِرَانِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَحْصُورَةٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>